الطلاق بين “استسهال الانفصال” وتأثير “العالم الافتراضي”

تلعب السوشيل ميديا دورًا سلبيًا لأنها تخفّف من القيم، وتسهّل علينا مسألة الطلاق، وقد أثبتت إحصاءات السنوات الأخيرة حول عقود الزواج المُصرّح عنها لدى المديرية العامة للأحوال الشخصية تراجعًا في السنوات العشر الأخيرة مقابل الارتفاع في عقود الطلاق.
كتبت سمر يموت لـ”هنا لبنان”:
أرخت الأزمات المتلاحقة، اقتصادية كانت أم اجتماعية أو أمنية أو نفسية، بثقلها على لبنان، فتراجعت نسب الزيجات ومعها الإنجاب وارتفع مؤشر الطلاق بشكل كبير حتى بات ينذر بتغييرٍ في التركيبة السكانية والاجتماعية للبلاد.
لقد صنّفَ موقع “داتا بانداز” لبنان في المرتبة السادسة من حيث ترتيب معدّلات الطلاق في الدول العربية لعام 2024 بنسبة 1.6 لكلّ ألف شخص، فيما تصدّرت ليبيا القائمة بنسبة 2.5 بالألف وأتت قطر في ذيلها بنسبة 0.7 بالألف.
وأشار مصدر في “مركز التنمية والسكان في لبنان” إلى تراجع الزيادة الطبيعية للسكان في الأعوام الأخيرة وتزايد معاملات الطلاق بشكلٍ كبيرٍ وإلى انخفاض معاملات الزواج. وفي حين أبدى المصدر قلقه من تغيّر البنية السكانية في لبنان، دقّ المساعد القضائي الشرعي في محكمة بيروت الشرعية السنّية الشيخ خالد يموت ناقوس الخطر من ارتفاع نسب الطلاق، مشيرًا، في حديثٍ لـ “هنا لبنان”، إلى أنّ البنية الاجتماعية تقع في صلب الخطر، لأنّ استسهال الانفصال بات القاعدة فيما كان في السابق آخر الملاذات. الشيخ يموت لاحظ تبدّل الحالة الاجتماعية في لبنان واختلاف الحياة عمّا كانت عليه منذ عقدين من الزمن، ففي السابق كانت الزوجة تتحمّل “شراسة” زوجها والقلّة المادية وكان الزوج أكثر صبرًا على سوء طباع شريكته ومتطلّباتها، أما اليوم فاختلف كلّ شيء ولم يعد للصبر مكان في العلاقات الزوجية، لقد بات كلّ منهما يستسهل الانفصال عن الآخر، تغيّرت الأوضاع الاجتماعية وصار طلب الطلاق أمرًا بغاية السهولة.
تحلّل الانضباط والخيانة الافتراضية
أمّا أكثر أسباب الطلاق شيوعًا، فيلفت الشيخ يموت إلى “تغيّر الحالة الاجتماعية، فإلى جانب سوء الحالة الاقتصادية وعدم قدرة الزوج على الإنفاق وتلبية متطلبات زوجته، فإنّ تدخّل أقارب أحد الشريكين وخضوع الأخير لهم يعتبر عاملًا أساسيًّا في الدفع نحو الطلاق وبالتالي حصوله، إضافة إلى تحلّل الانضباط والانسياق الكبير نحو العالم الافتراضي لجيل الشباب وحتى لمن هم في سنّ الخمسين”.
لقد ساهمت وسائل التواصل في زيادة الخلافات الزوجية، فانعدم الحوار وسيطرت “الخيانة الافتراضية”، فكثيرًا ما نرى في العلن علاقات زوجية مثالية يعيش فيها الزوجان حياة سعيدة طبيعية، لكن في الخفاء يكون واقع الأمر مختلفًا، فكلّما اختلى أحدهما بهاتفه انساق وراء عاطفة افتراضية غامضة يخبّئها عن شريكه وكأنّه لم يعد هناك أي ضابط أخلاقي أو رادع ديني.
هنا لاحظ الشيخ يموت “أن وقوع بعض النساء في علاقاتٍ عاطفيةٍ عبر “السوشيل ميديا” لا يعني بالضرورة أن تكون المرأة متحلّلةً من الأخلاق، فكثيرة هي حالات الطلاق التي وقعت، بعد اكتشاف الزوج علاقة زوجته بشخصٍ تعرّفت إليه عبر هذا العالم الافتراضي وتكون فيها الزوجة بنت عيلة”. وأضاف: “من خلال قضايا الطلاق التي تقع، لاحظنا أن دخول شخص على خط الشريك أو الشريكة عبر “تيك توك” أو “فيسبوك” أو “إنستغرام” يكون في الغالب مستغلًا لمشاكل هذا الشريك أو الشريكة مع الآخر لتبدأ من خلالها الصداقات والإعجابات والمغامرات وينساق الأمر إلى ما لا تُحمد عقباه، خاصة إذا اكتشف أحدهما تلك العلاقة”.
وختم يموت داعيًا إلى إصلاح اجتماعي وتوجيه ديني من الطوائف كافّة، وإلى اتحاد مواقف رجال الدين من أجل إنقاذ البيوت المهدّدة، مشيرًا إلى “أن الكثير من البيوت لا تزال تحافظ على أخلاقها وانضباطها”.
لقد أثبتت إحصاءات السنوات الأخيرة حول عقود الزواج المُصرّح عنها لدى المديرية العامة للأحوال الشخصية تراجعًا في السنوات العشر الأخيرة مقابل الارتفاع في عقود الطلاق.
تراخٍ في القيم يهدّد الزواج
تغيّر شكل الأسر العربية في الآونة الأخيرة حتى بات علماء الاجتماع أنفسهم عاجزين عن تفسير التغيّرات التي تطرأ على أدوار الأسرة. في هذا الإطار، تشير الأخصائية في علم الاجتماع د. فريال عبد الله إلى أنّنا “صرنا نشهد أشكال أسرٍ لم نشهدها من قبل، كلّ أسرة انطوت على نفسها من دون الانفتاح على الأسرة الممتدة، ومعها أصبح الطلاق جزءًا من هذه الأسرة المتفكّكة بفعل عوامل عدة، أبرزها التراخي في القيم، فبعدما كان الطلاق “تابو” بات اليوم أمرًا عاديًّا. أمّا مرَدُّه فيعود إلى أسباب اقتصادية، وإلى هجرة الشباب وغيرها، ناهيك عن غياب النظرة إيجابية لمؤسّسة الزواج، وهو ما تؤكده إحدى الدراسات عن تراجع أو قبول “الزواج كمؤسّسة”، وربما في السنوات المقبلة قد لا نشهد إقبالًا على الزواج مثل السابق”.
وتضيف: “هناك تهديد للبنية الاجتماعية والسكانية في لبنان، وعندما أُسأَل إذا كنت مع “المُساكنة” أرفض قطعًا لسببٍ بسيطٍ وهو الحفاظ على الأسرة، فالغرب يعيش أزمة أسرةٍ أحد أسبابها “المثليّة”، وهناك خوف حقيقي في أوروبا وأميركا أن تكون الأسرة في طور الانقراض”، لافتةً إلى “أنّنا نعيش في خطرٍ مُحدقٍ وسيأتي يوم لا يعرف فيه الأولاد صورة الأم أو الأب وسنشهد تغيّرات ديمغرافية حتمًا”.
مقارنة الزوجة بفتيات “السوشيل ميديا”
تلعب السوشيل ميديا دورًا سلبيًا في هذا المجال، فهي تخفّف من القيم، وتسهّل علينا مسألة الطلاق بمعنى “أننا لو طلّقنا اليوم قد نتعرّف غدًا إلى شخصٍ آخر نحبّه ونترك عائلتنا من أجله، وهي تشجّع على هذا التراخي”، والملاحظ، بحسب رأي عبد الله، أنّه “أصبح لدى الرجل “ثقافة جنسية متطايرة”، أي أنه يجمع أفكاره من “السوشيل ميديا” ليشبع هواماته الجنسية، فوسائل التواصل تقدّم الفتيات بطريقة ملحمية كاملة، وهو أمر غير موجود على أرض الواقع، فيعمد الرجل إلى المقارنة بين زوجته والمرأة التي يراها عبر وسائل التواصل، وتضطر الشريكة إلى مقارنة نفسها بهؤلاء الفتيات لينتهي بها الأمر إمّا نحو العزلة أو الدخول في دوّامة عمليات التجميل لتصبح شبيهة بفتيات “السوشيل ميديا”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() موظّف في المرفأ يزوّر شهادات للتهرّب من دفع الرسوم | ![]() جبهات “السوشيل ميديا” التحريضيّة تطغى على حرب الصواريخ | ![]() فزّاعة “داعش” ذريعة جديدة للتمسّك بالسلاح! |