لبنان على خطّ تواصل الفاتيكان وعواصم القرار لتحييده عن صراعات المنطقة… ماذا في الكواليس؟

الفاتيكان على اطّلاع دائم على أيّ جديد يخرق الملفّ اللبناني، ووساطاته مع العواصم مستمرّة، خصوصًا واشنطن وباريس، ولن يتخلّى عن هذا البلد الذي يشكّل علامةً لافتةً في هذا الشرق المثقل بالهموم، والقابل لفتح آفاق إيجابيّة سيكون لبنان ضمنها من دون أدنى شكّ.
كتبت صونيا رزق لـ”هنا لبنان”:
لا شكّ في أنّ حاضرة الفاتيكان كانت وستبقى حاضنة لبنان، وعلى علم دائم بكل أوضاعه ومستجدّاته لأنّها تتابعه كبلدٍ يجمع كل الطوائف وكنموذجٍ للعيش المشترك يتفرّد بهذه العلامة الفارقة، وانطلاقًا من محافظتها على تلك القيم تواصل اهتمامها به منذ عقود من الزمن، وصولًا إلى حقبة بابا روما الحالي ليون الرابع عشر، الذي تمّ انتخابه خلفًا للبابا فرنسيس في أيّار الماضي، بحيث ما زالت الرسائل تصل تباعًا عن أوضاعه، خصوصًا في هذه المرحلة، التي تنقل صور واقعه المُخيف والمجهول وسط كلّ ما يجري من حوله من تغيّرات وانقلابات في المنطقة، الأمر الذي أطلق العنان للخوف على بلدٍ مصيره غير معروف، بعد إدخاله من قبل “حزب الله” في حربٍ عبثيّةٍ لا علاقة له بها، قلبت أوضاعه رأسًا على عقب، فبات بلدًا منهارًا على كلّ المستويات ومهدّدًا بسبب سيطرة الدوَيْلة على الدولة، وضربها بعرض الحائط كل أسس الشرعيّة والقرارات الدوليّة بعد دخولها في أتون النيران بالقوّة، وإجبارها الشعب اللبناني على دفع كلّ الأثمان، تحت شعارات لم تتحقّق ولم تصل إلى أهدافها، فبقيت مجرّد كلمات.
هذه الصرخات التي يُطلقها البطريرك الماروني بشارة الراعي، وصلت إلى عواصم القرار وحاضرة الفاتيكان، التي عملت ضمن وساطات لإبعاد لبنان عن الأخطار وتحييده عن الصراعات، وعن أيّ تداعيات على خلفيّة ما يحصل من تطوّرات أمنيّة وتهديدات بشنّ الحرب من جديد، واتّساعها لتشمل كلّ لبنان، مع كلّ ما يتبعها من دمار وخراب مجدّدًا، مع دعوة القيمين هناك كلّ المسؤولين اللبنانيين للتوافق وتوحيد كلمتهم من أجل مصلحة بلدهم، كي لا يكونوا بعيدين عن التسويات التي ستجري قريبًا، ويتسلّق البعض عليها من أجل مصالحهم الخاصّة، فيما يبدو الحذر شديدًا من أن يبقى لبنان في موقعه الخاسر كما يجري حاليًا.
إلى ذلك، أوضح مصدر كنسيّ لـ”هنا لبنان” بأنّ “صرخات البطريرك الراعي دقّت ناقوس الخطر من جديد، وأطلقت الهواجس على المصير، كما أنّ حاضرة الفاتيكان لديها المخاوف عينها، وانطلاقًا من هنا تواصل الوساطات مع باريس وواشنطن لحلّ هذه الأزمات، لذا فالاتّصالات قائمة ولا بدّ أن تُسفرَ عن شيءٍ إيجابيّ على المدى القريب”.
وشدّد المصدر الكنسي على ضرورة مساهمة الدولة والحكومة والنوّاب أيضًا في الحلّ والاتّفاق على إنقاذ لبنان، بالتزامن مع الوساطات الدوليّة لتفادي كلّ ما يحصل من تحوّلات في المنطقة، وعدم وجود جاهزيّة للتعاطي مع هذه المتغيّرات والتطوّرات المتسارعة، في ظلّ تكاثر ملفّات لبنان العالقة، ومنعًا من أن يصبح كبش محرقة عن غيره، ومن هنا يكرّر سيّد الصرح في مجالسه وأمام زوّاره، أنّ لبنان المنهار يستوجب أن تُطرح قضيّته في مؤتمر دولي خاصّ برعاية الأمم المتّحدة، مهمّته توفير ضمانات دائمة للوجود اللبناني، والعمل من جديد للمحافظة على الصيغة تأكيدًا على اعتبار لبنان بلد الرسالة وحوار الأديان والحضارات.
في غضون ذلك، ومنذ انتخاب البابا ليون الرابع عشر، ترقّبت العيون اللبنانيّة ملامح المرحلة الجديدة في سياسة الفاتيكان، فبرز الاهتمام كالسّابق، أي بالدولة التعدّديّة وبالصيغة اللبنانيّة القائمة على الشراكة والتوازن بين المكوّنات، وابتعادها الكليّ عن التقسيم أو ما شابه، مع ضرورة حماية الوجود المسيحي في لبنان والشرق والانفتاح على محيطه، إضافةً إلى تشجيع الحوار المسيحي – الإسلامي في مواجهة التطرّف، ومواصلة الدعم من كلّ الجوانب للبنان ومؤسّساته لتقوية دور الدولة وتحييده عن سياسات المحاور، والتركيز على الوضعين الإنساني والاجتماعي للمواطن اللبناني، بحيث كشف المصدر الكنسي عن خطةٍ قيد الإعداد للفاتيكان، مع جهات دينيّة لبنانيّة ومنظّمات دوليّة لتقديم المساعدات الاستشفائيّة والتربويّة للمواطنين في المناطق اللبنانيّة المحتاجة.
وختم المصدر: “الفاتيكان على اطّلاع دائم على أيّ جديد يخرق الملفّ اللبناني، ووساطاته مع العواصم مستمرّة، خصوصًا واشنطن وباريس، ولن يتخلّى عن هذا البلد الذي يشكّل علامةً لافتةً في هذا الشرق المثقل بالهموم، والقابل لفتح آفاق إيجابيّة سيكون لبنان ضمنها من دون أدنى شكّ”، داعيًا إلى التمسّك بالأمل لأنّ تسوية وضع لبنان تقترب، ولن يدفع من الآن فصاعدًا ثمن الصراعات الإقليميّة، بل سيكون البلد الذي نحلم به جميعًا حتّى ولو طال الوقت، لأنّ لا بدّ للشمس أن تشرق بعد الليالي الحالكة بالسواد.