“لبنان عم يرجع”


خاص 22 تموز, 2025

حين ترتفع الموسيقى على الرَّغم من كلّ التحدّيات، فهذا يعني أنّ ثمّة أملًا، وأنّ هناك بلدًا لا يزال يتنفّس، ولا يزال ينادي، ولا يزال قادرًا على أن يُحبّ ويخلق الفرح.

كتب جو أندره رحال لـ”هنا لبنان”:

على الرّغم من أنّ المنطقة من حولنا تغلي بالحروب والانهيارات، لا يزال لبنان يُغنّي. وليس مجازًا، بل حقيقةً. صيف عام 2025 أعاد الموسيقى إلى المدرّجات، والناس إلى الساحات، والدبكة إلى الأرصفة. من بعلبك إلى صيدا، ومن إهدن إلى الأرز، ومن بيروت إلى جبيل، لم يستسلم اللبناني نفسه للألم، بل واجهه بالأغاني، والمهرجانات، وبحركة حياة تصرخ في وجه العالم: “نحن نعيش… ولا نعيش فقط، بل نفرح أيضًا”.

في بيروت، أعاد مهرجان “أعياد بيروت” (Beirut Holidays) صوت ماجدة الرومي، وإليسا، وجوزيف عطية إلى الواجهة البحرية، في مشهدٍ ذكَّر الناس بأنّ الجمال لا يزال حاضرًا، حتى وإنْ كان الخراب يحيط بهم. وفي بعلبك، وفي إطار فعاليّات “أعمدة الخلود” (Pillars of Eternity)، عادت المدرّجات الرومانية لتنبض على أنغام كارمن لبّس وهبة طوجي، وسط إضاءةٍ ساحرةٍ تؤكّد أنّ الحضارة ما زالت هنا.

أمّا في الأرز، فقد أحيا وليد توفيق ووائل كفوري وفرقة “MAYYAS” أمسياتٍ أعادت لبنان إلى خريطة السياحة الثقافية من جديد. وفي إهدن، استقبلت الساحة كاظم الساهر، الذي أعاد للحبّ مكانته، وسط حضور حاشد من اللبنانيين والعرب. ولم تكن صيدا بعيدةً كعادتها، فقد جمعت مهرجاناتها نانسي عجرم ومارسيل خليفة، وغنّى الناس للأمل من قلب المدينة القديمة.

كلّ هذا الفرح خرج من بلدٍ ما زال بلا كهرباء، وببنية تحتيّة ما زالت مدمّرة بفعل أزمات متراكمة. لكنّ هناك رهانًا كبيرًا يُبنى: على السياحة، على صوت الناس، وعلى روح البلد التي لم تَمُتْ. القطاع الخاص يُموِّل، والمجتمع المدني يُنظِّم، والبلديات تُساند بقدر استطاعتها. أمّا الدولة، فمع أنّها تأخّرت، إلّا أنّها تحاول استعادة السائح الخليجي، واستقبال اللبناني المغترب الذي ينتظر سببًا بسيطًا للعودة.

الفنادق ليست فارغةً، والمطاعم ليست خاملةً، والمطار لا يتوقّف. من صور إلى مرتفعات فاريّا، البلاد في “مزاج صيفي”، وكأنّه يُقاوم الغرق بالضحكة، بالصوت العالي، وبالناس الذين يرفضون الاستسلام.

لقد أصبحت المهرجانات أكثر من مجرّد حفلات، بل تحوّلت إلى فعل مقاومة. مقاومة لا بالسلاح، بل بالفرح، بالثقافة، وبالناس الذين قرّروا أن يقولوا: “لبنان لا يُكسر”. وأصبحت المنصّات الفنيّة مساحاتٍ عامةً لإعادة الثقة، أماكن تجمع الناس على حبّ الحياة.

وحين ترتفع الموسيقى على الرَّغم من كلّ التحدّيات، فهذا يعني أنّ ثمّة أملًا، وأنّ هناك بلدًا لا يزال يتنفّس، ولا يزال ينادي، ولا يزال قادرًا على أن يُحبّ ويخلق الفرح.

من قلب الأزمة، من عُمق العتمة، ينبعث صوتٌ يُعيد الناس إلى بعضهم، يُعيد الحنين، ويصنع الأمل.

على الرَّغم من كلّ شيء… لبنان عم يرجع.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us