جبهات “السوشيل ميديا” التحريضيّة تطغى على حرب الصواريخ

التحريض الطائفي قد يتصاعد في المجتمعات التي يكثر فيها الجهل فيمكن حينها السيطرة على أفرادها الذين يعانون من “فراغ ثقافي” وعدم إدراك للمصلحة الوطنية العليا، فهؤلاء يكون تجييشهم سهلًا، أضف إلى ذلك تأثر الكثير من الناس بالعاطفة والشائعات وبمواقف قادتهم ورجال السياسة الذين يتبعونهم.
كتبت سمر يموت لـ”هنا لبنان”:
يلعب الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي دورًا خطيرًا في تأجيج الصراعات بين الأفراد، خاصة خلال الأحداث الأمنية والصراعات والحروب، وقد تحوّلت المنصات والتطبيقات “الافتراضية” في يومنا هذا إلى حلبة صراع بين الأديان والطوائف والمذاهب لا حصر لعدد المتصارعين فيها على الإطلاق، فباتت مفتوحةً لكلّ الأعمار والفئات والجنسيات، وانتقلت الحرب الصاروخية التي تخوضها بلدان كبرى على سكان الأرض، إلى مستخدمي “الفضاء الرقمي” وانساقت المواجهة إلى حربٍ كلاميّة طائفيّة فتنوية تفتقد أدنى مقوّمات الوطنية والإنسانية، تؤجّج الاقتتال الطائفي والتكفيري والعنصري، حتّى باتت اليوم أكثر فتكًا من الصواريخ التي استُخدمت في الحرب الإسرائيلية – الإيرانية والتي قُصِف فيها لبنان وفلسطين، وتفوق بخطورتها كلّ ما حصل في السويداء وغيرها من المناطق الواقعة في دائرة الحروب والتوتّرات، لتعطي أبشع صورة عن الانحدار الكلامي الذي وصلت إليه شعوبنا العربية.
تُستخدم وسائل التواصل الاجتماعي مؤخّرًا بطريقةٍ خاطئةٍ، ويعتبر ردع التحريض الافتراضي سواءً كان طائفيًّا أم سياسيًّا أم عنفيًّا تحديًا كبيرًا أمام المجتمع والدولة. في هذا الإطار، يلفت المستشار في شؤون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عامر طبش لـ”هنا لبنان”، إلى “إجراءاتٍ عدّةٍ يمكن اتخاذها، إدارية وتوعوية وتكنولوجية. ففي الشقّ التكنولوجي، ينبغي أن تكون المراقبة من قبل إدارة المنصات، فـ”فيسبوك” مثلًا يستخدم أنظمة ذكاء اصطناعي لرصد أي محتوى تحريضي، ولديه “خوارزميات” متقدّمة لتحليل الصور والفيديوهات وإخراج التحريض والكراهيّة منها، وهو يمنع عرض أي منشورات عنصرية سياسية أو يُقلّص وصول هذا المحتوى إلى الـ”Reach” أو إلى روّاد مواقع التواصل الاجتماعي”. ويقول: “هذه التطبيقات تُحدّث بشكل مستمر وتستخدم الذكاء الاصطناعي المتجدّد في تلك المواجهات”، مشيراً إلى أنّه “في بعض الأحيان تكون تلك الإجراءات ضدّنا نحن العرب وتذهب لصالح إسرائيل”.
أنظمة التنبيه المُبكّر وتحليل التعليقات
وذكّر طبش بكيفية تحكّم “فيسبوك” بمحتوياتٍ مناصِرةٍ للقضية الفلسطينية “حيث كان يتمّ حجبها أو تحجيم وصولها لعددٍ كبيرٍ من المشاهدين مقارنةً بالمحتوى الذي يصوّر العدو الإسرائيلي كضحية”، كاشفًا “أنّه يوجد في التكنولوجيا أنظمة تنبيه مبكر (early warning system) موجودة على كافّة التطبيقات وتستخدمها الأجهزة الأمنية والجمعيات، وهي تقوم بتحليلاتٍ سلوكيةٍ على التعليقات والمنشورات والكلمات الأساسية لرصد أي نوع من تصاعد كلامي ومنشورات خطيرة يمكن أن تؤدي إلى فلتان الأمور”.
كشف المحرّضين ومعاقبتهم
وفي هذا الإطار، قال مصدر أمني لـ “هنا لبنان” إنّه ينبغي كي تتحرّك الأجهزة الأمنية تقديم دعاوى قضائية أو إخبارات أمام النيابة العامة التمييزية، وعندما تنظر الأخيرة بهذه الإخبارات وإذا تبيّن أن الشخص المقدَّم الإخبار ضدّه قد ارتكب جرمًا يُعاقب عليه القانون، عندها يسطّر المدعي العام استنابةً إلى الأجهزة الأمنية لتتحرّى عن هوية أصحاب الحملات التي تحصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويصار إلى إحضارهم والتحقيق معهم على أن يعطي القضاء إشارةً بتوقيفهم أو عدمه استنادًا إلى إفاداتهم والأدلة والمعطيات المتوفّرة. ولفت المصدر إلى أنّ مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية هو الذي يحدّد عادةً هوية الأشخاص الذين استخدموا حساباتٍ معينةً ويكشف إذا كان صاحب الصفحة هو من يستخدمها أو تمّ خرق حسابه.
يعاقب القانون اللبناني على التحريض الطائفي وفقًا للمادة 317 من قانون العقوبات، فـ”كل عمل وكتابة وخطاب يقصد منه أو ينتج عنه إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحضّ على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمّة، يعاقب عليه بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة ماليّة”.
آلية التبليغ والإجراءات الرادعة
قد يكون العائق الأكبر لتفادي تأجيج الفتنة عبر وسائل التواصل الاجتماعي هو عدم استخدام آلية التبليغ المتوفّرة ضدّ مستخدمي مواقع التواصل، على “المنشورات التحريضية”، وفيما تتّخذ تطبيقات “تيك توك” و”فيسبوك” و”youtube” هذه الإجراءات الاحترازية، تتراخى منصّة “X” في لجم الحسابات التحريضية والوهمية، كما قال طبش، وقد “أتت مجموعات الأخبار المنتشرة على “واتساب” لتزيد الطين بلّةً وتنشر أخبارًا مضلّلة وغير مؤكدة تصبّ في الغالب في الخانة الطائفية التحريضية”.
لا يمكن النجاح في ردع التحريض الطائفي والفتنوي الذي باتت تشمئزّ منه الأنفس على وسائل التواصل الاجتماعي، من دون أن تترافق الإجراءات التكنولوجية مع تدابير قانونية ومجتمعية رادعة، وأن يكون لدى الجهات الأمنية برامج قادرة على مراقبة الأمور وتحريك القضاء على أساسها. وتلعب الجمعيات والوزارات المعنية كوزارتَيْ “الشؤون الاجتماعية” و”التربية” دورًا أساسيًا بهذا الخصوص وينبغي أن يكون لديها حملات توعية في المدارس والجامعات تحذّر فيها من أخطار “التحريض الافتراضي” وتحثّ على الإبلاغ عنه وتدريب أشخاص لرصد هذه الانتهاكات بالتعاون مع الأجهزة الأمنية. وردع التحريض، برأي طبش، لا يكون بأداةٍ واحدةٍ، “إنّها منظومة متكاملة بين التكنولوجيا (الذكاء الاصطناعي والقوانين التي تضعها المنصات) والإشراف البشري (اتباع الدولة لسياسة مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي والحدّ من النزاع الطائفي) وتطبيق القانون”.
ضعف الدولة وتجييش الأفراد
ليس التحريض الطائفي في لبنان وليد لحظته وهو غير حديث على الإطلاق، فبالعودة إلى تاريخ لبنان نجد تاريخًا طويلًا من الصراعات بين الطوائف المتجذّر في ذاكرتنا الجماعية، وفي كلّ حرب تمرّ بها البلاد يستذكر اللبناني كل الحروب السابقة، وغالبًا ما يعمد رجال السياسة أو المؤثرون على مواقع التواصل وروادها في الأزمات إلى تحريك تلك الذاكرة الجماعية.
هذا ما تشير إليه الدكتورة في علم النفس الاجتماعي ناديا شحرور وتقول: “نحن للأسف في بلدٍ طائفيّ فشلت فيه الدولة في حماية المواطن اللبناني كمواطن، فلجأ هو إلى حماية “هويته الفرعية” واللجوء إلى طائفته أو دينه”. وعزت شحرور استقواء هؤلاء الأفراد أو الجماعات إلى غياب الدولة أو ضعفها، مشيرةً إلى “أن التحريض الطائفي قد يتصاعد في المجتمعات التي يكثر فيها الجهل فيمكن حينها السيطرة على أفرادها الذين يعانون من “فراغ ثقافي” وعدم إدراك للمصلحة الوطنية العليا، فهؤلاء يكون تجييشهم سهلًا، أضف إلى ذلك تأثر الكثير من الناس بالعاطفة والشائعات وبمواقف قادتهم ورجال السياسة الذين يتبعونهم”.
التوعية السلاح الأقوى
تعتبر التوعية أهم سلاح لمواجهة التحريض الطائفي وتجنّب خطورته على أن تكون على كافة المستويات المجتمعية بدءًا من المدارس مرورًا بوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والإعلانات، و”هذا يتطلب أن نكون يدًا بيد دولةً ومؤسساتٍ وأفرادًا لإعادة بناء الوعي الجماعي، ومراقبة المنصّات بشكل رسمي عبر أهل الاختصاص وتفعيل القوانين لملاحقة ومعاقبة كلّ من يتخذ من خطابات الكراهية ملاذًا للتحريض الطائفي”، تختم شحرور كلامها لـ “هنا لبنان”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() موظّف في المرفأ يزوّر شهادات للتهرّب من دفع الرسوم | ![]() الطلاق بين “استسهال الانفصال” وتأثير “العالم الافتراضي” | ![]() فزّاعة “داعش” ذريعة جديدة للتمسّك بالسلاح! |