مليارات الدولارات تتدفّق إلى سوريا… ولبنان يراقب بصمت!


خاص 25 تموز, 2025

 

المفارقة صارخة: سوريا الخارجة من الحرب تعقد صفقات بمليارات الدولارات، بينما لبنان، بموارده وموقعه وإمكاناته، يعجز حتى عن إقرار خطة تعافٍ اقتصادي أو تنظيم مؤتمر استثماري واحد له معنى.

كتب أنطوان سعادة لـ”هنا لبنان”:

في الوقت الذي لا يزال فيه لبنان غارقًا في الجمود السياسي والاقتصادي، تائهًا بين خلافات داخلية لا تنتهي وغياب أي رؤية إصلاحية جادة، تسير دمشق بخطى واثقة نحو إعادة التموضع الاقتصادي والانفتاح الإقليمي. وها هي تستقبل وفدًا سعوديًّا رفيع المستوى، يضمّ أكثر من 130 مستثمرًا من القطاعَيْن العام والخاص، برئاسة وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، في زيارة تُوصَف بالمفصلية، يُرتقَب أن تؤسّس لمرحلةٍ جديدةٍ من العلاقات الاقتصادية بين الرياض ودمشق، عنوانها العريض: الشراكة، والبناء، والانطلاق نحو المستقبل.

هذه الزيارة اللافتة تأتي تتويجًا لمسارٍ مُتدرّج من التقارب بين البلدين، وتُترجَم على الأرض من خلال “منتدى الاستثمار السوري – السعودي 2025″، الذي تحتضنه العاصمة السورية، والذي سيشهد توقيع عشرات الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي يُتوقَّع أن تتجاوز قيمتها 6.4 مليارات دولار. وهو رقم ضخم يحمل دلالاتٍ سياسيةً واقتصاديةً، ويُجسّد عودة سوريا التدريجيّة إلى الساحة الاقتصادية الإقليمية، كطرف فعّال، على الرَّغم ممّا عانته خلال أكثر من عقدٍ من الحرب والحصار.

من هنا، يفرض المنتدى السوري – السعودي نفسه كحدثٍ إقليميّ لا يمكن تجاهله، لا فقط لما يحمله من انعكاسات اقتصادية على سوريا، بل لما يعكسه من متغيّرات جيوسياسية قد تُعيد رسم خريطة النفوذ والاستثمار في المشرق العربي.

وبحسب الخبير الاقتصادي أحمد العقل، لا شك أن المستثمر الخليجي، ولا سيما السعودي، يبقى حاضرًا وجاهزًا لاقتناص الفرص الاستثمارية المُتاحة، خصوصًا في المنطقة العربية. فلطالما أبدى المُستثمر الخليجي قدرةً على استغلال الفرص، وفي مقدّمتها تلك الموجودة في الدول العربية.

أمّا بالنسبة لسوريا، فإنّ التوجّه الخليجي نحو الاستثمار فيها يرتبط بمعطيات عدة، أبرزها العلاقات التاريخيّة بين سوريا والدول الخليجية، والتي لطالما تميّزت بتبادل تجاري وشعبي. ويشير العقل إلى أنّ الوضع في سوريا ما زال دقيقًا، خصوصًا بعد التطوّرات الأمنية الأخيرة، ما يفرض نوعًا من التروّي في اتخاذ القرار الاستثماري. لكنّه يؤكد أن السوق السوري يختزن فرصًا مهمة، خصوصًا أنّ العلامات التجارية العالمية لم تكن موجودةً حتى قبل اندلاع الأزمة، كما أنّ البلاد تحتاج إلى بنى تحتية وأرضية عمل مشتركة طويلة الأمد.

وعلى الرَّغم من أن الحوادث الأمنية الأخيرة تُعدّ من العوامل الطاردة للاستثمار على المدى المتوسط والطويل، إلّا أنّ بعض المستثمرين – وخاصةً أصحاب سياسة الدخول المبكر – قد لا ينتظرون حتى تتّضح الصورة بالكامل. فهناك من يرى في هذه المرحلة فرصةً للتحضير، وبناء الشراكات، تمهيدًا لبدء الأعمال لاحقًا عند تحسّن الظروف.

ويضيف العقل أن الاستقرار السياسي يبقى شرطًا أساسيًّا لأي استثمار، لكنّه ليس الشرط الوحيد. فوجود فرص حقيقية وسوق مؤهَّلة قادرة على استقبال رؤوس الأموال، هو أيضًا عامل حاسم. وفي الحالة السورية، هناك تحدّيات كبيرة تنتظر المستثمرين والمسؤولين معًا، من أجل بناء اقتصاد متماسك قادر على تثبيت العملة المحلية وتهيئة البيئة المُلائمة لجذب الاستثمارات.

ويختم أحمد العقل بالقول إنّ الشركات الكبرى في السعودية والخليج تلعب دورًا مهمًّا في تحريك رؤوس الأموال نحو الدول التي تبحث عن النموّ، مثل سوريا. ويشدّد على أهمّية إصدار تشريعات وقوانين جاذبة وواقية للاستثمار. نعم، من المرجّح أن نشهد زيادةً في الاستثمارات خلال الفترة المقبلة، خصوصًا في قطاعات السياحة والإنشاءات، وربّما نرى تحرّكات مهمّة أيضًا في مجالات الأمن الغذائي.

في المقابل، يقف لبنان على الهامش، يتفرّج على الفرص تتساقط من بين يديه، بينما يزداد ارتهانه للصراعات الصغيرة، ويغيب عنه الحدّ الأدنى من الاستقرار لجذب أي استثمار جدّي. المفارقة صارخة: سوريا الخارجة من الحرب تعقد صفقات بمليارات الدولارات، بينما لبنان، بموارده وموقعه وإمكاناته، يعجز حتى عن إقرار خطة تعافٍ اقتصادي أو تنظيم مؤتمر استثماري واحد له معنى.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us