المساكنة بين الدولة والدويلة لم تعد خياراً!


خاص 28 تموز, 2025

إما أن يختار لبنان استعادة موقعه الطبيعي كدولة مكتملة الأركان، قادرة على حماية مواطنيها وتحصين اقتصادها وعلاقاتها الدولية، أو أن يواصل الدوران في حلقة مفرغة عنوانها الانتظار والوعود، والرقص على حافة الإنهيار بعد التهميش! وفي السياسة، الانتظار بلا قرار ليس سياسة… بل عجز معلن!

كتب طوني كرم لـ”هنا لبنان”:

لم يعد ممكناً إخفاء حقيقة أن سياسة المساكنة بين الدولة اللبنانية ودويلة “حزب الله” وصلت إلى نهايتها. الموفد الأميركي توماس باراك، وبلهجة مباشرة غير معهودة في الدبلوماسية التقليدية، وضع حداً لأسلوب التضرع السياسي الذي اعتمده المسؤولون اللبنانيون في تبرير “عجزهم”، مؤكداً أنّ زمن الكلمات والنوايا انتهى، وأن ما ينتظر لبنان اليوم، قرارات حاسمة تعيد ترتيب الأولويات!

باراك، الذي التقى قبل أيام معظم القيادات اللبنانية، لم يكتفِ بنقل رسائل سياسية، بل اختار الردّ علناً على ما نُقلَ عن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون من دعوة للنظر إلى الإيجابيات وانتظار الوقت الكافي لإنجاز الوعود، مشيراً بوضوح إلى أنّ المصداقية لا تُبنى على وعود طويلة الأمد، بل على خطوات عملية تثبت أنّ الدولة اللبنانية قادرة على احتكار قرارها وأمنها وسلاحها.

في خلفية هذا الموقف الأميركي، تبرز معادلة واضحة: لا مظلة دعم دولية أو عربية للبنان طالما استمر السلاح خارج إطار الدولة، وطالما بقيت الإصلاحات المالية والهيكلية مؤجلة. باريس تبنّت الموقف ذاته؛ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكد أمام رئيس الحكومة نواف سلام أنّ ملف السلاح غير الشرعي والإصلاحات البنيوية يشكلان شرطاً مسبقاً لأي مساعدة أو استثمار، في حين أبلغت دول مجلس التعاون الخليجي بيروت الرسالة نفسها، مؤكدة أن مشاريع الدعم لن تتحرك قبل أن يتوقف لبنان رسمياً عن إدارة ظهره لهذه الملفات الجوهرية.

هذه التحولات السياسية تعكس بوضوح أن المجتمع الدولي لم يعد مستعداً لشراء الوقت. الموفد الأميركي اختصر الموقف وبوضوح سرّ على مسامع من التقاهم، أن أيّ حكومة بلا قدرة على فرض سيادتها لن تستطيع إخراج شعبها من العزلة، وإنّ أي رهان على أن تملأ واشنطن أو أي دولة أخرى الفراغ الناتج عن غياب القرار اللبناني هو رهان خاسر.

وفي هذا السياق: هل يكفي تجاوب “حزب الله” مع بعض الطروحات المتعلقة بضبط السلاح جنوب الليطاني لإقناع الخارج بأن الدولة اللبنانية استعادت قرارها؟! الوقائع الميدانية والإقليمية تعطي جواباً معاكساً. التصعيد الإسرائيلي المستمر، والاستهدافات التي تطال كوادر الحزب، تؤكد أنّ إبقاء السلاح خارج سلطة الدولة يضع لبنان بأسره في دائرة الاستهداف، ويمدّ إسرائيل بذريعة دائمة لتبرير عملياتها العسكرية.

أمام هذا المشهد، إنّ استمرار سياسة المساكنة لم يعد خياراً يمكن الدفاع عنه. التذرع بصعوبة الظرف أو التعقيدات الداخلية فقد قيمته، خصوصاً عندما يصدر عن مؤسسات يفترض بها أن تكون المرجعية النهائية للسيادة. فالدولة التي تتنازل عن أهم وظائفها، سيّما احتكار القوة وضمان الأمن، تفقد تلقائياً حقها في المطالبة بضمانات خارجية تقيها الضربات الإسرائيلية.

لذلك، فإنّ الطبقة السياسية بكافة تلاوينها أمام إختبار لجديّتها. لا البيانات ولا رتابة الخطابات عن لبنان الحالم وحبّ الحياة، تنفع! بل المطلوب قرار واضح: إما الانخراط في مسار يعيد السلاح إلى مؤسسات الدولة ويضع حدًا لازدواجية القرار الأمني والعسكري، وإما البقاء في دائرة العزلة والمخاطر اليومية، حيث يتكرر السيناريو ذاته: استهدافات إسرائيلية، تعايش مع صور الدمار من بيروت إلى الجنوب والبقاع، وأزمات اقتصادية متفاقمة.

إنها لحظة الحقيقة المرّة. دقّت ساعة المساكنة!. إما أن يختار لبنان استعادة موقعه الطبيعي كدولة مكتملة الأركان، قادرة على حماية مواطنيها وتحصين اقتصادها وعلاقاتها الدولية، أو أن يواصل الدوران في حلقة مفرغة عنوانها الانتظار والوعود، والرقص على حافة الإنهيار بعد التهميش! وفي السياسة، الانتظار بلا قرار ليس سياسة… بل عجز معلن.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us