بالنسبة لبكرا… ما عاد في زياد


خاص 29 تموز, 2025

لم يكن زياد الرحباني مجرد فنان، بل مرآة وطن جريح، وناقدًا شرسًا لكل ما هو زائف، في السياسة والفن والمجتمع.. ومع رحيله، يخسر لبنان أحد أكثر فنانيه التزامًا وجرأة. يخسر صوته الحقيقي، الخشن والصادق. يخسر الضحكة السوداء، والموسيقى التي لا تجامل. لكن زياد لا يُرثى كغيره، لأنه لم يكن كغيره..

كتب جو أندره رحال لـ”هنا لبنان”:

في 26 تموز 2025، أسدل الستار على واحد من أكثر الأصوات صدقًا وتمرّدًا في تاريخ الفن العربي. رحل زياد الرحباني، وسكت معه الوطن الذي كان يتكلم بصوته، يضحك بسخريته، ويتألّم بنوتاته الموسيقية الخشنة. لم يكن مجرد فنان، بل مرآة وطن جريح، وناقدًا شرسًا لكل ما هو زائف، في السياسة والفن والمجتمع.

ابن فيروز وعاصي، لكنه لم يكن ظلّ أحد. تمرّد على المدرسة الرحبانية دون أن يتنكر لها، وفتح دربًا فنيًا خاصًا، مزج فيه الجاز والبلوز والمقامات الشرقية، وخلق موسيقى تحمل وجع المدينة وارتباك ناسها. كان صوته نافرًا، موسيقاه غاضبة، ومسرحه صادمًا، لكنه بقي صادقًا على الدوام.

في “بالنسبة لبكرا شو؟” قدّم تشريحًا مرعبًا لواقع لبناني لا يريد أن يعترف بأزماته. وفي “فيلم أميركي طويل”، حوّل المسرح إلى منبر للفضح والمواجهة. لم يكتب للترفيه، بل للقلق. لم يطلب تصفيقًا، بل أراد أن يُفكر الناس، أن يغضبوا، أن يعوا.

قال ذات مرة:

“ما فيني فرّح الناس بأغاني حب، وهنّي مش ملاقيين دوا لضغطن.”

هكذا كانت أغانيه: مرآة لأزمات الناس، لا للهروب منها.

زياد كان يساريًا بالفطرة، لكنه لم ينجرّ خلف الخطاب الجاهز. وقف مع الناس، لا مع الأحزاب. ومع الفقراء، لا مع المنظرين. كتب للمهمشين، وفضح الاستغلال، وسخر من الزعيم، ورفض الاصطفاف، لكنه بقي في لبنان، وقال:

“ما في شي بلبنان بيغنّي، بس في ناس بعدا بتحب تعيش.”

مع رحيله، يخسر لبنان أحد أكثر فنانيه التزامًا وجرأة. يخسر صوته الحقيقي، الخشن والصادق. يخسر الضحكة السوداء، والموسيقى التي لا تجامل. لكن زياد لا يُرثى كغيره، لأنه لم يكن كغيره.

هو القائل:

“إذا نحنا متنا… ما بتموت الموسيقى.”

وها نحن نُدرك صدق هذه الجملة أكثر من أي وقت مضى..

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us