رحلة الرعب مستمرّة على طريق ضهر البيدر… و15 ألف دولار بدايةٌ لإنقاذ الأرواح!


خاص 30 تموز, 2025

لم يعد هناك مكان للوعود الكاذبة أو التأجيل الممنهج. إمّا أن تستيقظ الدولة من سباتها العميق وتتحمّل مسؤولياتها في إنهاء هذه الكارثة، أو يبقى طريق ضهر البيدر شاهدًا دامغًا على فشلها الذريع وإهمالها الذي يزهق أرواح الأبرياء بلا رحمة.

كتبت كارين القسيس لـ”هنا لبنان”:

يبقى طريق ضهر البيدر شاهدًا صامتًا على فشل الدولة اللبنانية وتواطؤ مؤسّساتها، إذ يتحوّل هذا الطريق، الذي يُفترض أن يكون شريانًا حيويًّا يربط منطقة البقاع بالعاصمة بيروت، إلى مسرحٍ دائمٍ للمعاناة والموت البطيء، حيث يموت المواطنون بصمتٍ، وتُهدر الطاقات والأعصاب، ويُقضى على الإنتاج والوقت، في غياب أي معالجةٍ جدّيةٍ أو حلولٍ مستدامةٍ من الدولة.

ولم يعد الحديث عن طريق ضهر البيدر مجرّد ترف إعلامي أو تكرار ممجوج لمأساة مزمنة، بل بات صرخة غضب متراكمة تصدح منذ عقود، من دون أن تجد آذانًا صاغية، وكأنّ هناك إرادة خفيّة لتكريس هذا الطريق كمأساة دائمة وعقوبة جماعيّة لأهالي البقاع.

ذاكرة الموت المرتبطة بهذا الطريق ليست جديدة، فمنذ الستينيّات، أي زمن الإعلامي الراحل نجيب حنكش، الذي اعتاد أن يُطلّ عبر شاشة “تلفزيون لبنان” مطالبًا بـ”ضوءٍ صغيرٍ” يُنير ضهر البيدر، لم يتحقّق أيّ تقدم يُذكر، بل ازدادت العتمة وتمدّدت، وتكاثرت الوعود السياسية الواهية. وبالتالي، مع كلّ محاولةٍ لطرح الملف على طاولة المسؤولين، يُقابل اللبنانيون بجدارٍ من الصمت أو التعتيم، وكأنّ الدولة تقول لهم صراحةً: “مصيركم ليس ضمن أولوياتنا”.

وعلى الرَّغم من المبادرات الفردية وبعض التحرّكات النيابية، لا يزال الإهمال هو العنوان الأبرز. فعلى سبيل المثال، سعى عضو تكتل الجمهورية القوية، النائب جورج عقيص، مرارًا إلى إثارة القضية في أكثر من مناسبة، محاولًا تذكير السلطة بخطورة الوضع، فيما بادر أيضًا النائب ميشال ضاهر إلى تقديم مولّد كهربائي لتأمين إنارةٍ موقتةٍ للطريق، لكن سرعان ما انهارت المبادرة وتوقّفت الإنارة، فعادت العتمة لتبتلع الطريق، كما تبتلع الدولة حقوق مواطنيها. ولا عجب في ذلك، فكم من مشاريع تحوّلت إلى رمادٍ بعد أن ابتلعها الفساد وسوء الإدارة.

انطلاقًا من حجم الإهمال، قررت “هنا لبنان” كسر جدار الصمت وفتح هذا الملف من الباب العريض، ساعيةً إلى كشف مكامن الخلل ومُساءلة المسؤولين عن هذا الإهمال المستمر، مستندةً إلى مصادر موثوقة تتابع هذا الشأن منذ أكثر من عقد من الزمن، إذ تبيّن أنّ جذور المشكلة تتوزّع بين ثلاثة محاور رئيسية:
أولًا، غياب تنفيذ مشروع الأوتوستراد العربي، الذي يُفترض أن يشكّل بديلًا استراتيجيًا آمنًا لطريق ضهر البيدر. فهذا المشروع، لو نُفّذ بمعايير السلامة والمواصفات الدولية، لكان اختصر المسافة وقلّل من الحوادث، لكنه بقي حبرًا على ورق، فيما مصير الأموال المخصّصة له لا يزال مجهولًا.
ثانيًا، سوء البنية التحتية للطريق، التي تفتقر إلى أبسط شروط السلامة، سواء من حيث تعبيد الطريق، أو الجدران الواقية ووسائل الإنذار.
ثالثاً، الزحمة المرورية الخانقة، التي تحوّلت إلى جزءٍ لا يتجزّأ من يوميات المواطنين، والتي تسببها بشكلٍ خاصٍّ الشاحنات الثقيلة التي تُترك لتتجوّل من دون أي رقابة حقيقية.

ويتّضح، بحسب المصادر، أنّ وزارة الأشغال، على الرغم من تعاقب الوزراء عليها، لم تقم بأي خطوة جدية لمعالجة المشكلة، وذلك بسبب شبكةٍ معقّدةٍ من الفساد وسوء الإدارة والتجاذبات السياسية التي حوّلت المؤسسات إلى كِياناتٍ عاجزةٍ ومشلولةٍ. فالترهّل الإداري، وغياب الكفاءة، وغياب المحاسبة، جميعها ساهمت في استمرار هذا الإهمال القاتل.

وتشدّد المصادر على أنّ المشكلة لا تقتصر على الوزارة وحدها، فقوى الأمن الداخلي أيضًا لا تقوم بواجبها الكامل: لا كاميرات مراقبة، ولا تفعيل لقانون السير، ولا حتى ميزان “قبّان” لوزن الشاحنات، التي غالبًا ما تكون سببًا رئيسيًا للحوادث القاتلة. علمًا أن تركيب قبّان على حاجز ضهر البيدر لا يتطلّب أكثر من خمسةَ عشرَ ألفَ دولار، والموقع متوفّر، لكن ما ينقص هو الإرادة لا الإمكانات.

أمّا الإنارة، فحدّث ولا حرج، إذ تُرك الطريق في عتمةٍ قاتلةٍ، على الرغم من أن تركيب نظام إنارة يعمل بالطاقة الشمسية لا تتجاوز كلفته خمسين ألف دولار. ومع ذلك، فكلّ المحاولات لإضاءته باءت بالفشل، بسبب غياب الصيانة، وفساد الصفقات، وتلكؤ الجهات المسؤولة. حتّى المبادرات الفردية، التي تمثّلت بتركيب مولد كهربائي بجهودٍ شخصيةٍ، لم تجد من يتولّى إدارتها أو تمويلها، فعادت الأمور إلى نقطة الصفر، تمامًا كما يحصل مع معظم المبادرات الإنقاذية.

وانطلاقًا من هذه المعلومات، علم “هنا لبنان” أنّ رئيس بلدية من إحدى بلدات البقاع يعتزم زيارة وزير الأشغال فايز رسامني الأسبوع المقبل، لمحاولة إحياء هذا الملف في مبادرةٍ جديدةٍ قد تفتح نافذة أمل، وإن كانت ضئيلة. فهل سيستجيب وزير الأشغال ضمن ما يُسمّى بـ”العهد الجديد” ويبدأ فعليًا العمل على إصلاح الطريق؟ وهل ستكون هناك خطوات عملية وجدّية لكسر دائرة الإهمال؟ سنوافيكم بتفاصيل هذه الزيارة من خلال موقعنا في الأسابيع المقبلة.

الوقت نَفِدَ، ولم يعد هناك مكان للوعود الكاذبة أو التأجيل الممنهج. إمّا أن تستيقظ الدولة من سباتها العميق وتتحمّل مسؤولياتها في إنهاء هذه الكارثة، أو يبقى طريق ضهر البيدر شاهدًا دامغًا على فشلها الذريع وإهمالها الذي يزهق أرواح الأبرياء بلا رحمة. وبالتالي، فأهالي البقاع مطالبون بأن يرفعوا صوتهم بقوة وبلا توقف، فالحقّ لا يُستعاد إلا بالإصرار والمتابعة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us