الـ”روليت” الروسية

ما لفت في كلام الشيخ نعيم قاسم اعتباره أنّ العودة إلى الدولة تعني ترك إسرائيل تهاجم لبنان وتنهب المُكتسبات التي تريدها، ولكنّ الوقائع تقول إنّ إسرائيل، وبوجود الحزب، تهاجِم ولا تهادِن، ويقف الحزب موقف المتفرّج.
كتب بسام أبو زيد لـ”هنا لبنان”:
يستمرّ موضوع السلاح في واجهة الاهتمام، وقبل انعقاد جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء المقبل، وقبل أن يتحدث رئيس الجمهورية جوزاف عون لمناسبة عيد الجيش عن حصرية السلاح، عاجَل “حزب الله”، وعلى لسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، الحكومة ورئاسة الجمهورية بمواقف لا تقتصر فقط على رفض تسليم السلاح، بل تعدّته إلى التأكيد على الفصل بين المقاومة من جهة، والدولة من جهة ثانية. وبذلك، يكون الشيخ قاسم قد قطع الطريق حتى على ما يعرف بالاستراتيجية الدفاعية في قاموسه، وأكّد على أنّ الحزب كيان عسكري مستقلّ لا علاقة له بالدولة، وليس للدولة علاقة به.
قال الأمين العام لحزب الله: “بعضهم يقول لنا تعالوا إلى الدولة واتركوا المقاومة، لا يا أخي، ما هي ليست مسألة مقايضة، المقاومة ضدّ إسرائيل، بناء الدولة من أجل المواطنين، أنت عندما تقول اتركوا إسرائيل وتعالوا إلى الدولة يعني أنت تقول دعوا إسرائيل تهاجم لبنان وتنهب المكتسبات التي تريدها، هذه ليست قناعتنا ولا نحن نمشي بهذا الاتجاه”.
ويبدو من كلام الشيخ نعيم قاسم أنّ حزب الله لم يستخلِص العبر من الحرب الأخيرة، وهو يريد الاستمرار في مواجهة واقعٍ محتومٍ يأخذه مع بقية اللبنانيين إلى وضعٍ أسوأ ممّا هو عليه اليوم، وينقض في موقفه هذا كلّ كلام صدر ويصدر عنه عن شراكةٍ بين اللبنانيين، لأنه يفرض على الغالبيّة منهم ما لا يريدونه.
إنّ المقايضة بين الدولة والمقاومة، والتي لا يوافق عليها الأمين العام لحزب الله، لا توافق عليها الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، ولكن ليس من منطلق الشيخ نعيم قاسم، لأنّ الدولة لا تُقايَضُ بشيء، لا بمقاومة ولا بغيرها. وعلى المسؤولين في الدولة ألّا يطرحوا هكذا أمر، لأن الدولة يُفترض بها أن تثبت نفسها، وأن ترفض أي حركة أو مجموعة لا تتوافق مع وجودها، إذ لا يجوز لها أن تفاوضها على أي دور أو ترتيب، بل على الحكومة أن تتّخذ قرارًا بحلّ هكذا مجموعات عسكرية، وأن تطبّق القانون بحزمٍ على كل مخالف.
ما لفت في كلام الشيخ نعيم قاسم اعتباره أنّ العودة إلى الدولة تعني ترك إسرائيل تهاجم لبنان وتنهب المُكتسبات التي تريدها، ولكنّ الوقائع تقول إنّ إسرائيل، وبوجود حزب الله، تهاجِم ولا تهادِن، ويقف الحزب موقف المتفرّج، واعدًا بالردّ الذي لم يأتِ أبدًا، والمُستغرَب هو الإشارة إلى نهب المُكتسبات، فعن أيّ مكتسبات يتحدث الشيخ نعيم قاسم؟ ربّما هو يرى مكتسبات لا يراها اللبنانيون، فهم لا يرون سوى احتلال وخروقات واعتداءات واغتيالات وشهداء وجرحى والمزيد من الدمار، وإنْ كان لدى لبنان من مكتسبٍ واحدٍ، فقد نهبته حرب الإسناد الأخيرة، وربّما إلى غير رجعة.
المشكلة أنّ من لا يريد الاعتراف بالواقع، والاستمرار في تغليب الوهم على الحقيقة، والغوص في غياهب المجهول، لن يدرك في أي لحظة من اللحظات أنّ اللعبة قد انتهت، وسيواصل، مع من يعيش حالته، لعبة “الروليت الروسية” ليسقطوا الواحد تلوَ الآخر.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() حلف المصلحة | ![]() مصير لبنان | ![]() رصاصة الرحمة |