خطاب رئيس الجمهورية في ذكرى شهداء الجيش: جردة حساب ورسم ملامح المرحلة المقبلة


خاص 1 آب, 2025

لم يعد في استطاعة السلطة السياسية تحمّل الضغط الدولي الأميركي – الفرنسي – السعودي، وكذلك الضغط الداخلي، لأنّ هناك قوى سياسية وازنة جدًّا داخل مجلس الوزراء، وتشكّل الأكثرية داخله، تُطالب بسحب سلاح الحزب، وحصر قرار الحرب والسلم والسلاح في يد السلطة الشرعية، أي الدولة اللبنانية.

كتبت كارول سلوم لـ”هنا لبنان”:

اختار رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون المناسبة الأقرب إلى قلبه وهي ذكرى تضحيات الجيش، حتّى يتوجّه إلى اللبنانيين واللبنانيات بخطابٍ سياديّ من الدرجة الأولى، عارضًا فيه أبرز ما تحقّق منذ انتخابه، ومعاهدًا كما فعل في خطاب القسَم بتحقيق مبدأ حصريّة السلاح بيد الدولة.

في هذه المناسبة التي يتوحّد حولها أبناء الوطن، كان الرئيس عون حازمًا حول نقاط عدة وصريحًا في نقاط أُخرى، لا سيّما بالنسبة إلى المفاوضات مع الموفد الأميركي توماس باراك.

وما تضمّنته الكلمة الرئاسية يجدر التوقف عنده بالكثير من الانتباه، لأنّها رسمت خريطة طريق لبناء الدولة التي يريد الجميع العيش في كنفها، الدولة القوية والقادرة على حماية نفسها عبر مؤسّساتها ولا سيّما مؤسّسة الجيش اللبناني.

أعاد مشهد مُخاطبة الرئيس عون أبناء هذه المؤسّسة إلى الأذهان المواقف التي أطلقها عقب انتخابه، حين استخدم نبرة الصوت نفسها، في حين عكست “الكاريزما” التي يتمتّع بها تصميمًا على المضيّ في تنفيذ مضامين أقواله.

وباختصار، كان خطابه أمام من كانوا رفاق السلاح شاملًا ومفصليًّا في زمن التحدّيات المحليّة والإقليميّة.

يقول الكاتب والمحلّل السياسي الأستاذ إلياس الزغبي لموقع “هنا لبنان” إنّ “الرئيس جوزاف عون قدّم جردة حساب للأشهر التي انقضت من عهده، وفيها إيجابيّات واضحة ووعود في الوقت نفسِه، بالطبع التعيينات والإجراءات التي اتُخذت في جنوب الليطاني، والعلاقات التي يتمّ البحث في ترتيبها مع سوريا، ولكنّه ركّز على عبارةٍ مركزيّةٍ أو محوريّةٍ هي حصرية السلاح بيد الدولة”.

طبعًا كان حزب الله بدأ يعطي إشاراتٍ سلبيةً ضدّ جلسة مجلس الوزراء التي تنعقد الثلاثاء المقبل، وعلى جدول أعمالها موضوع حصريّة السلاح، والجدول الزمني لتنفيذ هذه الحصريّة، أي لسحب السلاح من حزب الله.

ربّما لم يُركّز الرئيس عون على هذه الجدولة ولم يُعلن أنّها ستنتهي مع نهاية هذا العام أو قبله كما يريد الوسيط الأميركي توماس باراك، وكذلك العاصمتان المعنيّتان باريس والرياض، ولكن الأمور واضحة: “إنّ اتجاه جلسة مجلس الوزراء، وفقًا للإشارات التي صدرت في خطاب الرئيس، ستطرح هذا الموضوع، أي موضوع الجدولة الزمنية لسحب سلاح حزب الله، إضافةً طبعًا إلى مبدأ حصر السلاح والتأكيد عليه، ليس فقط عملًا باتفاق الطائف والبيان الوزاري وخطاب القسَم، بل تنفيذًا للإجراءات التي نصّ عليها وقف إطلاق النار، وهذه الإجراءات تؤكّد أنّ المسألة تتعلّق بسحب سلاح حزب الله على الأراضي اللبنانية كافة وليس فقط في جنوب الليطاني”.

ويضيف الزغبي لموقعنا: “لم يكن في الخطاب ما كانت الحكومة تراوح عنده على مدى أسابيع وأشهر ربّما، أي الشروط المسبقة التي يطرحها حزب الله كي يبدأ البحث في سلاحه أو الاستراتيجية الدفاعية، وهي معروفة أربعة شروط: وقف الغارات والاغتيالات، الانسحاب من النقاط الخمس أو السبع في الجنوب، وإطلاق الأسرى، والبدء في الإعمار. هذه الشروط هي في عُرف المراقبين شروط عرقوبية، أي إنّها غير صحيحة وغير سليمة، وهي للتصعيد أكثر مما هي للحلّ، لأنّها شروط لا تقبل بها إسرائيل قبل أن تبدأ الدولة والسلطة السياسية عبر مجلس الوزراء الشروع في سحب سلاح حزب الله. إذ ذاك يتمّ البحث في خطواتٍ تنفّذها إسرائيل ميدانيًا في الجنوب وعلى مستوى وقف الغارات أو الاغتيالات التي تحصل منذ وقف إطلاق النار في السابع والعشرين من تشرين الثاني الفائت.

لذلك، فإنّ خطاب الرئيس رسم ملامح المرحلة المقبلة من دون أن يبتّ بالجدول الزمني، لأنّ هذا الأمر متروك للسلطة التنفيذية بهيئتها الكاملة، أي مجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية وحضور رئيس الحكومة والوزراء مجتمعين”.

ويرى أنّ “التحدي الآن هو إذا كانت السلطة تستطيع أن تقنع حزب الله بالتوقيع على القرار الذي سيصدره مجلس الوزراء، وإلّا فسنذهب إلى ما يشبه حكومة فؤاد السنيورة في العام 2007، حين استقال منها الطرف الشيعي وسُمّيت آنذاك من الثنائي الشيعي بأنّها حكومة مبتورة. لذلك، فإنّ الأيام القليلة التي تفصلنا عن جلسة مجلس الوزراء ستضجّ بالاتصالات الكثيفة على الأقل ما بين الرؤساء الثلاثة، وعبر الرئيس نبيه بري مع حزب الله، لأنّ الرئيس عون استبق خطابه اليوم بكلامٍ معبّرٍ حين وصف الحوار الذي بدأه قبل أشهر مع حزب الله حول نزع سلاحه بأنه بطيء. وفي هذه العبارة معروف أنه في المفاوضات السياسية تُخفي الفشل بدلًا من القول “فشل الحوار بين رئيس الجمهورية وحزب الله”، يُقال “بطيء” والنتائج “بطيئة”، أي إنّ الحوار واجه انسدادًا أو فشلًا”.

وأوضج الزغبي: “لذلك، لم يعد في استطاعة السلطة السياسية، وتحديدًا رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، تحمّل الضغط الدولي الأميركي – الفرنسي – السعودي، وكذلك الضغط الداخلي، لأنّ هناك قوى سياسية وازنة جدًّا داخل مجلس الوزراء، وتشكّل الأكثرية داخل مجلس الوزراء، تُطالب بسحب سلاح حزب الله، وحصر قرار الحرب والسلم والسلاح في يد السلطة الشرعية، أي الدولة اللبنانية. لذلك، فإنّ المسألة تتطلّب انتظارًا وترقّبًا لما سيحصل خلال الأيام القليلة المقبلة قبل انعقاد جلسة مجلس الوزراء كي نتبيّن إلى أيّ اتجاه تذهب السلطة السياسية أو الدولة اللبنانية في مسألة نزع سلاح حزب الله”.

سيبقى لخطاب رئيس الجمهورية وقعه على الساحة المحلية، لا سيّما أن ما يقوله يُشكّل محور انتظار الساحة المحلية لتبيان وقائع الأمور في البلاد.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us