لا إصلاح من دون قانون الفجوة المالية: المادة 37 تحمي النظام والمودعين معًا

هذا التعليق القانوني يُبرز بوضوح أنّ الإصلاح المصرفي لا يمكن أن ينطلق فعليًا بمعزلٍ عن تحديد الإطار المالي الكامل للأزمة، وهو ما يُعيد التأكيد على ضرورة إقرار قانون الفجوة، تمهيدًا لأي تطبيقٍ عمليّ لخطة الإصلاح.
كتب أنطوان سعادة لـ”هنا لبنان”:
يشكّل قانون إصلاح المصارف في لبنان محطةً أساسيةً ضمن جهود الدولة لمعالجة تداعيات الانهيار المالي. وقد أتى هذا القانون بعد سنواتٍ من الجمود، بهدف وضع إطارٍ تشريعيّ لإعادة تنظيم القطاع المصرفي، وضمان استقراره واستمراريته في مرحلةٍ دقيقةٍ من تاريخ البلاد.
ينصّ القانون على إنشاء هيئةٍ مستقلّةٍ مؤلفةٍ من غرفتَيْن لتقييم أوضاع المصارف وتصنيفها، بحسب قدرتها على الاستمرار أو حاجتها إلى إعادة تصحيح أوضاعها. كما يسمح القانون بإعادة تنظيم العلاقة بين المصارف والمودعين، بطريقةٍ تُراعي التوازن بين حقوق الأفراد ومصلحة النظام المالي ككل.
ويُفهم هذا القانون كخريطة طريق تهدف إلى إعادة تفعيل الدور الطبيعي للقطاع المالي في تمويل الاقتصاد، بعدما وجدت هذه المؤسّسات نفسها، من دون سابق إنذار، في قلب أزمةٍ كبرى لم تكن من صُنعِها، بل نتيجة تراكماتٍ لسياساتٍ ماليةٍ واقتصاديةٍ استمرّت لعقود.
ينظّم القانون كيفية التعامل مع المصارف المتعثّرة، ويضع إطارًا واضحًا لحماية الودائع وتقليل الاعتماد على المال العام. ويُطبّق على المصارف اللبنانية وفروعها في الخارج، وعلى المصارف الأجنبية العاملة في لبنان، ويمنح صلاحياتٍ واسعةً لهيئة مصرفية عليا أُعيد تشكيلها للإشراف على تنفيذ الإصلاح.
تتكوّن هذه الهيئة من غرفتَيْن: الأولى تُعنى باتخاذ القرارات التصحيحية والتنظيمية، والثانية تُشرف على تقييم أوضاع المصارف ووضع الخطط المناسبة لمعالجة تلك الأوضاع.
وتبدأ عملية الإصلاح بناءً على تقييم دقيق من لجنة الرّقابة على المصارف ومُقيّمين مستقلّين، وفقًا للمعايير الدولية المعتمدة. وتُبلّغ القرارات للمصارف المعنيّة بشكل رسمي وشفّاف، وتُنشر حيث يلزم.
وتجدر الإشارة إلى أن قانون إصلاح المصارف، بحسب المادة 37 منه، يُنشر في الجريدة الرسمية، لكن يُعلّق تنفيذ أحكامه إلى حين إقرار ونشر قانون الانتظام المالي. وهذا النصّ لم يُدرج من باب التسويف أو التراجع، بل يشكّل عنصر حمايةٍ جوهريًّا يربط الإصلاح المصرفي بتحديد الفجوة المالية بشكل واضح وشفاف. فالمادة 37 تضع شرطًا منطقيًا وضروريًا: لا إصلاح قبل تحديد حجم الخسائر وتوزيعها بشكل منصف، لا على حساب المصارف ولا على حساب المودعين.
واجهت المادة 37 انتقاداتٍ تقول إنّها لا تحمي المودعين وتؤخّر الحلول، لكنّ هذه الآراء تغفل حقيقةً أساسيةً: لا يمكن لأي إصلاح أن ينجح من دون وضوحٍ تامٍّ حول حجم الخسائر ومَن المسؤول عنها، ولا يصحّ تحميل جهةٍ واحدةٍ كلّ الأعباء. إنّ التعليق المنصوص عليه في المادة 37 لا يُعطِّلُ القانون، بل يربط تطبيقه بأولويّة تحديد المسؤوليات بدقّة. فالمودع لن يُنصفَ إلّا عندما يُقرّ قانون واضح يُحدّد الخسائر ومصادرها. أمّا فتح الباب لإصلاح من دون هذا التحديد، فهو تهرّب من الحقيقة، ومجازفة تهدّد فعليًا حقوق الجميع.
هذا التعليق القانوني يُبرز بوضوح أنّ الإصلاح المصرفي لا يمكن أن ينطلق فعليًا بمعزلٍ عن تحديد الإطار المالي الكامل للأزمة، وهو ما يُعيد التأكيد على ضرورة إقرار قانون الفجوة، تمهيدًا لأي تطبيقٍ عمليّ لخطة الإصلاح. ومن دون هذا القانون، تبقى المصارف عرضةً لتحميلٍ غير متوازنٍ للخسائر، في وقتٍ يُفترض فيه أن تتحمّل الدولة مسؤوليتها الكاملة عن الخيارات التي أوصلت البلاد إلى هذا المسار.
وعلى الرَّغم من الأهمية البالغة لقانون الفجوة المالية كشرطٍ أساسيّ لتفعيل قانون إصلاح المصارف، تُسجَّل مخاوف حقيقيّة لدى بعض المراقبين من أن تُماطل الحكومة في تحويل مشروع القانون إلى مجلس النواب، أو أن يُرحَّل النقاش بشأنه إلى المجلس النيابي المقبل بعد الانتخابات، تفاديًا لتحمّل تبعاتٍ سياسيةٍ أو شعبيةٍ قد تنتج عن تحديد المسؤوليات وتوزيع الخسائر.
وفي حال صَحَّ هذا السيناريو، فإنّ ذلك سيُبقي قانون الإصلاح مُجمّدًا، ويُطيل عمر الأزمة، ويترك المصارف والمودعين في دائرة المجهول، في وقتٍ باتت فيه الحاجة إلى إقرار قانون الفجوة المالية من دون تأخير أكثر من ضروريّة. إنّ أيّ تأجيل لهذا القانون يعني ببساطة التهرّب من مواجهة الحقيقة، وتعطيل المسار الطبيعي لأي حلّ فعليّ، وإبقاء الأزمة رهينة اعتباراتٍ سياسيةٍ بدلًا من معالجتها على أسُسٍ مسؤولة.