انهيار قياسي: تراجع 50% في أسعار الشقق السكنية وركود في سوق الضاحية الجنوبية!

الغالبية العظمى من سكّان الضاحية استهلكوا مدّخراتهم، ولم يعودوا قادرين على تأمين كلفة الانتقال إلى مناطق جديدة، سواء من ناحية الإيجارات أو لوازم تجهيز المنازل. والكثير من الناس لا ترى خيارًا واقعيًّا سوى البقاء في منازلها، ليس فقط لأسباب مالية، بل لأنّها نشأت فيها، وترتبط بها اجتماعيًا ونفسيًا.
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وفي ظلّ الأزمات المتلاحقة التي يعيشها لبنان، عاد الحديث إلى الواجهة حول مصير السوق العقارية في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث تتقاطع العوامل الأمنية والمعيشية لتشكّل واقعًا عقاريًا معقّدًا ومُتشابكًا.
تأثرت الضاحية بشكلٍ مباشرٍ بتداعيات الحرب، إذ طالتها الضربات الجوّية الإسرائيلية وأثّرت في العديد من أبنيتها السكنية والتجارية، ما ترك أثرًا واضحًا على حركة السوق وأعاد رسم خريطة العرض والطلب في القطاع العقاري.
وبين روايات السماسرة، وتحليلات الخبراء، وبين من يرى في العقار استثمارًا واعدًا، وآخر يعتبره عبئًا في زمن اللّايقين، تبقى المؤشرات متضاربة والاتجاهات رهينة المستجدّات.
سماسرة: تراجع واضح في الأسعار وجمود في السوق
على الأرض، ينقل سماسرة عقاريون من الضاحية الجنوبية صورةً ميدانيةً واقعيةً لما تشهده السوق حاليًا. ويؤكّد عدد منهم لـ”هنا لبنان” أنّ أسعار الشقق السكنية، خصوصًا في الأبنية القريبة من المواقع التي تعرّضت لضربات مباشرة خلال الحرب، قد تراجعت بنسبٍ تتراوح ما بين 40 و50%، نتيجة الخوف من تجدّد التصعيد وغياب أي إشارات جدّية إلى استقرارٍ وشيك.
إلى جانب هذا التراجع، تسود حالة من الجمود شبه الكامل في حركة البيع والشراء، حيث يُشير السماسرة إلى أنّ معظم العروض العقارية لا تلقى طلبًا فعليًا، بل استفسارات حذرة من مواطنين يعيشون حالةً من الترقّب والقلق.
وقال أحد الوسطاء العقاريين في منطقة برج البراجنة، فضّل عدم الكشف عن اسمه لموقعنا: “الناس يعيشون حالةً من الترقّب في الوقت الراهن… هناك بعض الاستفسارات، لكن لا تُعقد صفقات فعلية. الجميع ينتظر اتضاح المسار السياسي والأمني في البلاد”.
مع ذلك، يشير بعض السماسرة إلى أن التراجع في الأسعار بدأ يُقرأ من قبل البعض كمؤشرٍ لفرصة استثمارية مستقبلية، خاصةً لدى من يمتلك السيولة وينتظر تحسّن الأوضاع لتحقيق أرباحٍ عند ارتفاع الأسعار مجدّدًا.
رأي اقتصادي: تباينات داخل الضاحية بين الخطر والفرصة
في قراءةٍ تحليليّةٍ أكثر شمولًا، يؤكّد الخبير الاقتصادي الدكتور محمد أبو الحسن لـ”هنا لبنان” أنّ واقع السوق العقارية في الضاحية الجنوبية لا يمكن اختزاله بنسب تراجعٍ موحّدةٍ، بل يجب التمييز بين أنواع العقارات من جهة، والمناطق المختلفة داخل الضاحية من جهة أخرى.
وأوضح أن “العقارات السياحية باتت خارج الحسابات بفعل غياب الحركة السياحية، وبالتّالي فإنّ التركيز ينصبّ اليوم على العقارات السكنية والتجارية، وهي التي تعكس بدقّة تغيّرات السوق”.
ويضيف: “من المعروف أن أي منطقة تتأثّر بالحرب أو تشهد توترات أمنية، تشهد عادةً تراجعًا في الأسعار. لكن نسبة التراجع لا يمكن تعميمها على كامل الضاحية. هناك مناطق تضرّرت فعلًا، وأخرى شهدت استقرارًا، بل حتى ارتفاعًا في الإيجارات”.
ويتابع أبو الحسن موضحًا أنّ بعض الأحياء داخل الضاحية، والتي لم تتأثر مباشرةً بالحرب وتشهد قدرًا من الهدوء النسبي، سجّلت ارتفاعًا في أسعار الإيجار وحتى البيع في بعض الحالات. ويعزو ذلك إلى انتقال عددٍ من السكان من مناطق التوتّر إلى مناطق أكثر أمانًا ضمن النطاق الجغرافي ذاته، موضحًا أنّ “هذه الأحياء غالبًا ما تكون خاليةً من المظاهر العسكرية أو المقرات الحزبية، ما يجعلها بيئةً أكثر جاذبية للباحثين عن الاستقرار”.
وإذا كانت بعض المناطق قد استفادت من حركة انتقال السكّان إليها، فإنّ الأزمة الاقتصادية الراهنة فرضت، في المقابل، قيودًا صارمة على قدرة شريحةٍ واسعةٍ من السكان على مغادرة مناطقهم أو تأمين سكن بديل.
ويرى أبو الحسن أنّ “هذه الأزمة لعبت دورًا جوهريًّا في الحدّ من حركة التنقّل داخل وخارج الضاحية، موضحًا أنّ الغالبية العظمى من السكّان استهلكوا مدّخراتهم، ولم يعودوا قادرين على تأمين كلفة الانتقال إلى مناطق جديدة، سواء من ناحية الإيجارات أو لوازم تجهيز المنازل”.
ويقول: “الكثير من الناس لا ترى خيارًا واقعيًّا سوى البقاء في منازلها، ليس فقط لأسباب مالية، بل لأنها نشأت فيها، وترتبط بها اجتماعيًا ونفسيًا، وتشعر ضمنها بشيءٍ من الأمان، حتى في ظلّ استمرار التهديدات”.
في هذا السياق، يشير أبو الحسن إلى أن “شريحةً واسعةً من اللبنانيين ما زالت تنظر إلى العقار كملاذٍ آمنٍ لحفظ القيمة، خصوصًا في ظلّ الانهيار المصرفي وتآكل الثقة بالقطاع المالي”.
ويضيف أنّ “التراجع الراهن في الأسعار قد يشكّل فرصةً مغريةً لفئة من المستثمرين الذين يملكون السيولة وينتظرون تحسّن الأوضاع للاستفادة من ارتفاعٍ متوقعٍ في الأسعار مستقبلًا”.
ويختم أبو الحسن: “السوق العقارية في الضاحية متنوعة. هناك من يراها فرصة واعدة، وهناك من يراها مخاطرة مؤجّلة. لكن ما هو مؤكّد أنّ العقار لم يفقد مكانته كخيارٍ استثماريّ طويل الأمد، في بلدٍ تتبدّل فيه المؤشرات سريعًا بين التوتّر والانفراج”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() قانون الإيجارات غير السكنية يتراجع إلى الوراء: تمديدٌ للمستأجرين… وإجحافٌ للمالكين! | ![]() بيروت على حافة الصمت: بلدية مشلولة تصارع الانهيار بثلاثة خيوط أمل | ![]() عودة جورج عبدالله: خطاب على أنقاض التاريخ |