الأفكار الوهميّة تُحاصر الشيخ “نعيم” وتقوده مباشرةً إلى عالم “اللالا لاند”!

إطلالة الشيخ نعيم الأخيرة ليست سوى انعكاس لقناعة راسخة داخل “الحزب”، مفادها أنّ لا أحد سيُحاسبنا، لا من الشعب، ولا من القضاء، ولا من شركاء السلطة الذين آثروا الصمت أو التواطؤ. لكن هذه القناعة، مهما ترسّخت، لن تصمد طويلاً، فإمّا أن ينهض اللبنانيون للدفاع عمّا تبقّى من فكرة الدولة، وإمّا أن يتهيّأوا لمزيد من الخراب، ومزيد من الفواتير التي يدفعونها من جيوبهم، ويذلّون لها كراماتهم، بينما إيران تأمر، والشيخ نعيم يُنفّذ
كتبت كارين القسيس لـ”هنا لبنان”:
أيُّ استهتار هذا؟ وأيُّ صفاقة سياسيّة تلك التي تسمح لأمين عام “حزب الله”، الشيخ نعيم قاسم، أن يخرج على اللبنانيين ويُعلن بلا خجل ولا حياء أنّ “الأولويّة ليست لحصر السلاح، بل لإعادة الإعمار، ولو من خزينة الدولة”؟، إنّ مثل هذا التصريح لا يُعدّ رأياً سياسياً فحسب، بل صفعة وقحة في وجه الدولة واعترافًا فجًّا بذهنيّة الاستقواء والاستباحة التي يتعامل بها “حزب الله” مع لبنان، أرضاً ومؤسسات وشعباً.
من أين يستمدّ هذا “الحزب” هذه الوقاحة من خلال زجّ لبنان في حروب لا مشروعيّة لها، ولا إجماع وطني عليها؟ وبأي منطق يُطالب من دمّر لبنان أن يستخدم مال الدولة لإصلاح ما أفسدته يداه؟ فهل تحوّلت الدولة إلى ماكينة صرف تموّل مغامرات “الحزب” الإقليميّة؟ وهل المواطن ملزم بدفع فاتورة حرب لم يُستشر بها، ولم تكن يوماً لحمايته أو لصالح وطنه، بل كانت ولا تزال جزءاً لا يتجزّأ من أجندة إيرانيّة واضحة المعالم والغايات؟ أليس من الحدّ الأدنى للأخلاق السياسيّة أن يعتذر “الحزب” أولاً للشعب، ويعترف بخطئه بدلاً من أن يُمعن في التمادي؟ وأن يتحمّل وحده نتائج تهوره، لا أن يمدّ يده إلى ما تبقى من المال العام ليرمّم به فشل مشروعه؟
كل هذه الأسئلة أجابت عليها مصادر نيابيّة معارضة لسياسة “حزب الله”، مؤكدةً في حديث لـ”هنا لبنان” أنّ “الحزب” يحلم بأن تعمّر له الدولة من جيب المواطنين، خصوصاً بعد الضغوطات الخارجيّة لتسليم سلاحه، معتبرةً أنّ الأطراف كافةً، من رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى الأكثريّة، أولويتهم تسليم السلاح ومن ثمّ إعادة الإعمار.
وتشدّد المصادر نفسها على أنّه في حال قرّرت الدولة حتّى بنسبة 1% أن تساعد، سيواجه هذا الموقف عصياناً مدنياً من غالبية الشعب اللبناني، لأنّه من غير المقبول أن يدفع المواطن ضرائب للدولة لتقدّم له خدمات، ثم تُستخدم تلك الأموال في إعادة إعمار مناطق لحزبٍ أخذ بيئته ولبنان إلى المجهول.
وترى أنّه طالما أنّ “الحزب” لم يسلم سلاحه، فإنّ أي عملية إعمار ستكون عُرضة لهجمات إسرائيليّة جديدة، لأنّ السياسة في الشرق الأوسط تغيّرت، ولم يعد مقبولاً وجود حزب مسلح خارج إطار الدولة، لافتةً إلى أنّ من اتّخذ قرار الدخول في مثل هذه الحرب عليه أن يتحمّل مسؤوليّة الإعمار.
وكشفت المصادر نفسها أنّ فرنسا، التي كانت أولويتها إعادة الإعمار ثمّ تسليم السلاح، قد بدّلت موقفها وسارت وفق الرؤية الأميركيّة، حيثُ اتُّفق على أن تكون الأولويّة لتسليم السلاح، لذا من العجيب، بعد هذا كله، أن يواصل الشيخ قاسم التمسك بأوهامه.
إعادة الإعمار من جيب المواطن مستحيلة
لا يمكن إنكار الواقع الاقتصادي المأزوم الذي تعيشه البلاد، حيثُ يعاني المواطن من أعباء ماليّة ضخمة، فقد تجاوزت نسبة الفقر 70%، وانهارت العملة الوطنية، وتراجعت الخدمات العامة، ما يجعل من فكرة تمويل إعادة الإعمار من جيب المواطن أمراً غير واقعي ومستحيل التنفيذ، وبالتالي الدولة، التي تُكافح للحفاظ على حد أدنى من الاستقرار، لا يمكنها أن تتحمّل أعباء إضافية على كاهل شعب منهك، خصوصاً في ظل غياب إدارة فعالة ونزيهة للموارد العامة.
المعادلة واضحة، و”الحزب” يسعى لفرضها: نقرّر الحرب متى نشاء، ونغرق لبنان في العزلة والدمار، ونضعف الدولة، ثمّ نعود بكل “وقاحة” لنطالبها بتمويل إعادة إعمار ما دمّرناه، فطلب التمويل من دولة كنت أوّل من استهدفها وأضعف مؤسساتها هو قمة الانفصام وقعر الابتزاز.
اليوم، لم يعد “حزب الله” بحاجة إلى أقنعة، ولم يعد يكلّف نفسه عناء التجميل أو التبرير. سقطت الأقنعة وبقي الوجه “الميليشياوي” العاري، ولم يعد لبنان في عقيدته سوى كيان وظيفي يُسخّر لأجندة طهران، دولة منزوعة السيادة تُستخدم خزينةً، وشعباً يُقدم قرباناً، ومؤسسات تُحمّل كالأكياس الفارغة، وبالتالي يجب توضيح فكرة أنّ القضيّة ليست طائفيّة وما قاله الشيخ قاسم ليس مجرّد زلّة لسان، بل كشف تامّ لعمق المأزق: “الحزب” لا يُؤمن بلبنان الدولة، بل بلبنان الخاضع، والممسوك، والتابع.
في المحصّلة، فإنّ إطلالة الشيخ نعيم الأخيرة ليست سوى انعكاس لقناعة راسخة داخل “الحزب”، مفادها أنّ لا أحد سيُحاسبنا، لا من الشعب، ولا من القضاء، ولا من شركاء السلطة الذين آثروا الصمت أو التواطؤ.
لكن هذه القناعة، مهما ترسّخت، لن تصمد طويلاً، فإمّا أن ينهض اللبنانيون للدفاع عمّا تبقّى من فكرة الدولة، وإمّا أن يتهيّأوا لمزيد من الخراب، ومزيد من الفواتير التي يدفعونها من جيوبهم، ويذلّون لها كراماتهم، بينما إيران تأمر، والشيخ نعيم يُنفّذ.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() رحلة الرعب مستمرّة على طريق ضهر البيدر… و15 ألف دولار بدايةٌ لإنقاذ الأرواح! | ![]() رغم كلّ شيء يعودون… صيف 2025 يستحق أن يُروى! | ![]() زحلة تبلّغت وبلّغت… عمليات بيع وتملّك مشبوهة تغزو المدينة! |