ساعة الحسم: هل تنتصر الدولة أم يُكرَّس واقع “الحزب”؟

بين موقف أميركي حازم لا يقبل التسويف، وتشدّد “الحزب” الرافض لأي مسّ بسلاحه خارج شروطه، تبرز احتمالات متعددة لمسار الجلسة اليوم، لكنّ الثابت الوحيد هو أنّ لبنان أمام لحظة تقرير مصير
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
تقف الساحة اللبنانية اليوم على مشارف واحدة من أخطر المحطات السياسية والأمنية منذ سنوات، مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء وسط مشاورات داخلية كثيفة وضغوط دولية غير مسبوقة، تتقاطع جميعها حول قضية محورية: حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية. وبين موقف أميركي حازم لا يقبل التسويف، وتشدّد “حزب الله” الرافض لأي مسّ بسلاحه خارج شروطه، تبرز احتمالات متعددة لمسار الجلسة، لكنّ الثابت الوحيد بحسب المحلّلين، هو أنّ لبنان أمام لحظة تقرير مصير.
في هذا السياق، تباينت تقديرات الخبراء السياسيين حول ما يمكن أن تفضي إليه جلسة اليوم، لكنهم اتفقوا جميعاً على أنّها لن تكون جلسة عادية. وفي قراءتهم للمشهد، عكست تحليلات كلٍّ من جوني منير، ألان سركيس، ومروان الأمين عمق الانقسام، ودقة المرحلة، ومحدودية الخيارات.
فمن جهته، تناول المحلّل السياسي جوني منير التباين القائم بين الأميركيين و”حزب الله”، مسلطاً الضوء على التّشدد الأميركي في مطلب حصر السلاح ضمن جدول زمني واضح، مقابل رفض الحزب المطلق لهذا الطرح. أما ألان سركيس، فركّز على التحوّل في موقف رئيس الجمهورية جوزاف عون، واعتبر أنّ خطاب الرئيس في عيد الجيش شكّل إعلاناً صريحاً لخريطة طريق وطنية عنوانها “الدولة أوّلاً”. في المقابل، شدّد مروان الأمين على أنّ الجلسة اختبار حقيقيّ لصدقية السلطة السياسية، داعياً إلى قرار جريء يُعيد للبنان ثقة الداخل والخارج.
وبين منطق الحسم والتسوية، والتحذير من الانهيار والعزلة، تتشابك الوقائع على طاولة مجلس الوزراء، فيما تنتظر البلاد مخرجاً إما ينقلها إلى مرحلة جديدة من بسط الشرعية، أو يعيد تدوير الأزمة بكل تناقضاتها وتبعاتها الخطيرة.
“هنا لبنان” يقدم قراءة شاملة لمواقف المحللين السياسيين حول أبعاد الجلسة وتداعياتها.
المحلل السياسي جوني منير
قال المحلل السياسي جوني منير أنّ “المشاورات السياسية التي تكثّفت في الساعات الأخيرة تندرج ضمن محاولة واضحة لإنجاز تسوية مؤقتة تتيح انعقاد جلسة مجلس الوزراء غداً، من دون الذهاب نحو مواجهة مباشرة أو تفجير سياسي. إلّا أنّ الإشكالية الجوهرية، وفق منير، تكمن في تموضع الملف بين حدّين صارمين: الحد الأميركي الصلب، والرفض القاطع من “حزب الله”.
وأوضح منير أنّ “الولايات المتحدة كانت واضحة في رسائلها: لا مزيد من التسويف. واشنطن، كما قال، ترفض كلياً أي محاولات للالتفاف على مطلب حصر السلاح بيد الدولة أو استخدام تعابير مطاطة على غرار “الاستراتيجية الدفاعية” أو “توافق وطني لاحق”. وهذا المطلب بات بالنسبة للأميركيين شرطاً أساسياً، ليس فقط لدعم لبنان، بل أيضاً لضمان عدم تركه مكشوفاً أمام أي ردّ فعل إسرائيلي عسكري محتمل، أو لتعريضه لمزيد من الضغوط المالية والاقتصادية.”
في المقابل، يشير منير إلى أنّ “حزب الله” يرفض بالمطلق أن يُدرج بند حصر السلاح كبند أول وأولوية قبل التطرق إلى الملفات التي يعتبرها جوهرية، كالانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، ووقف الاعتداءات، وتحرير الأسرى. كما يرفض أي جدول زمني محدد أو واضح يلزم الحزب بنزع سلاحه أو تسليمه تدريجيًّا.
وعلى الرغم من التباعد الكبير في المواقف، يسجل منير تطوراً أساسياً في مسار المشاورات: “تراجع حزب الله عن فكرة مقاطعة الجلسة”، بعد تدخل مباشر من الرئيس نبيه بري، الذي أوضح أنّ الغياب يعني ترك الساحة للآخرين، وبالتالي السماح باتخاذ قرارات من دون مشاركة الثنائي الشيعي، وهو ما دفع الحزب إلى الحضور لتثبيت موقعه التفاوضي من داخل مجلس الوزراء.
في موازاة ذلك، يلفت منير إلى “تحذيرات دولية وصلت إلى بيروت، مفادها أنّ إسقاط الحكومة أو تعطيلها سيكون مكسباً صافياً لحزب الله، ولن يخدم مصلحة أي طرف داخلي آخر، ما فرض نوعاً من التهدئة السياسية على قاعدة: الخلاف قائم… لكن لا أحد يخرج من الحكومة”.
ويكشف منير أنّ “النقاشات الداخلية أفضت إلى اقتراح “مخرج مرحلي”، يقضي بأن يأخذ النقاش مجراه داخل الجلسة المرتقبة غداً، على أن يُستكمل الخميس المقبل في جلسة ثانية، ما يمنح القوى السياسية بعض الوقت لمحاولة تدوير الزوايا وصياغة مقاربة أقل تفجيرية. غير أنّ الأميركيين، وفق منير، لا يبدون حماسة لهذا الطرح، خصوصاً أنّ إحالة الملف إلى المجلس الأعلى للدفاع أو تأجيله من دون جدول زمني واضح تُعتبر بمثابة محاولة مكشوفة لشراء الوقت، وهو ما يرفضونه بشكل صريح”.
ورغم أنّ جلسة اليوم قد تشهد نقاشاً ساخناً، إلا أن منير يؤكد أنها “لن تكون تفجيرية. بل ستعقد ضمن أجواء ضاغطة، لكن تحت سقف المحافظة على استقرار الحكومة واستمرار عملها، مع تأجيل القرار النهائي إلى جلسة الخميس، حيث قد تتضح ملامح التسوية أو تتعمق الخلافات أكثر”.
وختم منير بالإشارة إلى أنّ “ما يجري حالياً هو سباق بين الضغط الأميركي المتزايد، ومحاولات الداخل اللبناني لتأجيل الحسم، وسط واقع إقليمي متقلّب واحتمالات مفتوحة على كل الاتجاهات”.
المحلل السياسي ألان سركيس
اعتبر المحلل السياسي ألان سركيس أنّ الموقف الذي أعلنه رئيس الجمهورية جوزاف عون عشية عيد الجيش ليس تفصيلاً عادياً، بل رسم فعلياً خريطة طريق للمرحلة المقبلة، في مسار حاسم نحو استعادة القرار السيادي للدولة اللبنانية، وحصر السلاح بيد الشرعية.
وقال سركيس إنّ “خطاب الرئيس لم يكن معزولاً، بل امتداد لموقفه الثابت منذ خطاب القسم، الذي أكّد فيه أن عام 2025 سيكون عام استعادة الدولة وفرض احتكار السلاح.”
وأشار إلى أنّ “لحظة الحقيقة قد وصلت، والبلد بات أمام مفترق طرق خطير، مع استعداد الحكومة اليوم لبحث الملف الأخطر على طاولة مجلس الوزراء وهو الاستراتيجية الوطنية للدفاع وتسليم سلاح حزب الله وسائر الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية. ويأتي ذلك، بحسب سركيس، متزامناً مع الرد الأميركي الرسمي على الملاحظات اللبنانية، والذي تضمّن نقاطاً واضحة، أبرزها ضرورة إصدار قرار حكومي صريح يتضمّن جدولاً زمنياً واضحاً ومحدداً، لتسليم كل أنواع الأسلحة الثقيلة، المتوسطة والخفيفة ضمن مهل قصيرة وملزمة”.
وقال سركيس: “لبنان الآن أمام أمر واقع. لا مجال للمناورة. المجتمع الدولي والعربي يطالب بقرار حكومي رسمي، وجدول زمني واضح، ولا يحتمل المزيد من المماطلة أو التذاكي”.
وفي ما يتعلق بتوازنات الحكومة، لفت سركيس إلى أنّ “توزيع الوزراء يشير إلى أكثرية مؤيدة لطرح نزع السلاح. لافتاً إلى أنه من أصل 24 وزيراً، هناك سبعة محسوبون على القوات والكتائب والحزب الاشتراكي، وهؤلاء داعمون لخطة حصر السلاح. يضاف إليهم وزراء الرئيس نواف سلام، وعددهم سبعة أيضاً، كما أنّ وزراء رئيس الجمهورية سيكونون منسجمين مع موقفه الواضح والصريح. ما يعني أنّ أكثر من ثلثي الحكومة مع قرار الحسم”.
أما في ما يخصّ الثنائي الشيعي، فشدّد سركيس على أنّ “مقاطعة الجلسة مستبعدة حتى اللحظة، وأن رئيس مجلس النواب نبيه برّي يحاول تدوير الزوايا، مدركاً خطورة المرحلة”.
وشدد على أنّ: “العنتريات التي يحاول حزب الله التلويح بها، لم تعد تجد صدىً فعلياً، الوضع الشيعي في لبنان مأزوم، وحزب الله تحديداً يعاني من حصار مالي وتجفيف لمصادر التمويل، بالإضافة إلى تضييق إقليمي وخسارة الغطاء الشعبي”.
وتابع سركيس: “الحديث عن 7 أيار جديد أصبح بلا جدوى. أولاً، لأنّ حزب الله خسر معظم حلفائه من تيار المردة إلى بعض الشخصيات السنية التي كانت تدور في فلكه وثانياً، لأنّ الظروف السياسية والأمنية تغيرت جذرياً. لا بيئة حاضنة، ولا قدرة ميدانية تسمح له بأي مغامرة. أي صدام داخلي سينهي دوره كمقاومة نهائياً، بعدما فقد فعاليته أمام إسرائيل”.
وفي هذا السياق، اعتبر سركيس أنّ التحرّكات التي تتمّ عبر بعض العشائر أو المجموعات المتفرّعة عن الحزب “ليست أكثر من لعب بالوقت الضائع”، مشيراً إلى أن حزب الله “انهزم سياسياً وعسكرياً، ولم يعد يملك الأدوات التي كانت بيده في السابق”.
وختم سركيس بالتأكيد على أنّ جلسة اليوم ستكون مصيرية بكل المقاييس. قائلاً، رئيس الجمهورية والحكومة ملزمان باتّخاذ قرار واضح وتاريخي، ليس فقط التزاماً بخطاب القسم والبيان الوزاري، بل لأنّ الغضب العربي والدولي من المراوحة اللبنانية بلغ مداه. وفي حال لم تترجم خارطة الطريق إلى خطوات تنفيذية، فإنّ لبنان مهدّد بعزلة خانقة، وربما يترك لمصير أسوأ… تقرّره إسرائيل”.
المحلل السياسي مروان الأمين
من جهته يرى رأى المحلل السياسي مروان الأمين أنّ “جلسة مجلس الوزراء المقرّرة اليوم تمثل لحظة استثنائية ومفصلية في تاريخ لبنان، حيث سيتحدد على ضوئها مسار البلاد في المرحلة المقبلة: فإمّا أن تكون مدخلاً حقيقياً نحو استعادة السيادة وفرض هيبة الدولة والقانون واحتكار السلاح الشرعي على كامل الأراضي اللبنانية، أو أنها ستكرس مجدداً نهج التسويات السياسية مع حزب الله تحت عنوان “التفاهم الوطني”، وهو ما يعني عملياً الالتفاف على مطلب الداخل اللبناني والمجتمع الدولي”.
وأكّد الأمين أنّ “رئيس الجمهورية جوزاف عون أقرّ خلال كلمته الأخيرة في وزارة الدفاع بأنّ محاولاته السابقة لمهادنة حزب الله، والرهان على الحوار الهادئ لنزع السلاح، كلّفه كثيراً من شعبيته. وأشار عون بوضوح إلى أنّ البلاد وصلت إلى مرحلة لم يعد ممكناً فيها الاستمرار على النهج ذاته، قائلاً بالحرف: “المطلوب من حزب الله أن يسلّم سلاحه اليوم قبل الغد”، وهو ما اعتُبر موقفاً واضحاً لا لبس فيه، لم يربط مسألة نزع السلاح بأي تسوية داخلية أو إقليمية”.
واعتبر الأمين أن “المطلوب من الحكومة اليوم هو اتخاذ قرار حاسم وشفاف بشأن حصر السلاح بيد الشرعية، مع تحديد جدول زمني واضح لتنفيذ هذا القرار، كخطوة أولى نحو مسار تنفيذي جدّي”.
وبحسب الأمين: “لم يعد مقبولاً أن يصدر قرار كهذا ثم يركن في الأدراج، أو يواجه باستهزاء كما حصل سابقاً، حين دعا بعض مسؤولي حزب الله إلى ‘بلّه وشرب ميّته’، في استهزاء واضح بالدولة ومؤسساتها، على غرار ما فعله محمد رعد عند إعلان بعبدا”.
وشدد الأمين على أنّ “المسؤولية الآن تقع على عاتق السلطة السياسية لاتخاذ قرار تاريخي يصب في مصلحة لبنان وشعبه، ويعيد ثقة اللبنانيين بدولتهم، بعد أن تآكلت هذه الثقة منذ بداية العهد الرئاسي وحتى اليوم، وهو ما اعترف به عون نفسه”.
وأضاف: “إذا ما أقدمت الحكومة فعلياً على اتخاذ خطوات تنفيذية نحو حصر السلاح، فذلك سيؤسس لاستعادة احترام المجتمع الدولي والعربي للدولة اللبنانية، ويفتح باب الخروج من العزلة الخانقة التي يعيشها لبنان. أمّا في حال التخاذل أو التواطؤ، فنحن أمام مرحلة خطيرة جداً، تبدأ بعزلة دبلوماسية، ولا أحد يعلم إلى أين قد تصل، وربما تنتهي بتصعيد عسكري إسرائيلي يصعب احتواؤه”.
كما قال الأمين أنّ “اللافت في هذه المرحلة هو إصرار حزب الله على المكابرة والتمسك بسلاحه، بل وذهابه أبعد من ذلك من خلال التهديد، بشكل غير مباشر، بإعادة سيناريو 7 أيار في حال اتّخذت الدولة قراراً فعلياً باحتكار السلاح”.
وختم بالقول: “بعد أن فقد سلاح حزب الله مبرّره الأساسي في حماية لبنان، بات هذا السلاح اليوم، وبشكل واضح، أداة لتهديد اللبنانيين والشرعية اللبنانية، وهذا يجب أن يكون محفّزاً إضافياً للسلطة السياسية لتُمارس صلاحياتها وتُعيد حصر السلاح حصراً بيد الدولة”.