القرار اتُّخذ


خاص 7 آب, 2025

 

الأسلوب الذي اتّبعه مجلس الوزراء جاء مقنعًا لمَن ينتظر قرارًا منطقيًّا طال انتظاره، عبر حصر السلاح بيد الدولة، والطلب إلى الجيش وضع خطةٍ عمليّةٍ لتطبيق هذا الحصر، أي سحب السلاح قبل نهاية العام، وهذا ما رفضه قاسم أيضًا في خطابه، أي رفضه لجدول زمني لتسليم السلاح.

كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:

إخراج ناجح… شغل معلّم! تمكّنت أخيرًا الحكومة من اتخاذ القرار الذي ينتظره معظم اللبنانيين، والذي شكّك الكثيرون في قدرتها على اتخاذه والخطو باتجاه بسط سلطتها فعليًّا على كامل الأراضي اللبنانية، والتي تعني أن يكون قرار الحرب والسِّلم بيدها وحدها فقط، وبالتالي ألّا يكون السلاح في يد أيّ حزب أو طرف أو تنظيم يُصبح في هذه الحالة ميليشيا مسلّحة خارج الشرعية دستوريًّا وقانونيًّا، وتُصبح ملاحقتها قائمة.
ولا شكّ أنّ هكذا قرار يتوق له أكثرية اللبنانيين منذ ما لا يقلّ عن عشرين سنة، أقلّه عند اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري.
ولكنّ الظروف لم تكن ملائمةً، لا داخليًّا ولا إقليميًّا، وكانت حرب تموز 2006 التي افتعلها “حزب الله” نفسه ليفرض سلطته بعد انسحاب الجيش السوري، وليُثبِت أنّه الأداة الإيرانية المتقدّمة إقليميًّا.

فقد انبرى أمس رئيس الحكومة، وليس وزير الإعلام، ليُعلن هو شخصيًّا القرار بعد جلسةٍ دامت نحو ستّ ساعات، استغرق خلالها النقاش حول تسليم السلاح نحو أربع ساعات. وراح نوّاف سلام يستشهد ببنود وقرارات من اتفاق الطائف (تشرين الأول 1989) والدستور، واتفاق وقف إطلاق النار، والقرار 1701 (27 تشرين الثاني 2024)، وما تضمّنه خطاب القسَم (9 كانون الثاني 2025) والبيان الوزاري (8 شباط الماضي)، والتي تؤكّد على سلطة الدولة الشرعية وحدها، وحصرية السلاح في يدها، وتقصّد قراءة ما جاء في القرار 1701 الذي يتمّ فيه تعداد القوى الشرعية والأمنية التي يحقّ لها حمل السلاح، من الجيش وقوى الأمن إلى الشرطة البلدية، كي يُؤكّد عدم أحقّية “حزب الله” أو أي حزب أو طرف آخر في استعمال السلاح أو اقتنائه.

غير أنّ “حزب الله”، الذي أسّسته إيران عام 1982، وقف ضدّ اتفاق الطائف في البداية، وظلّ يرفضه لأكثر من عقد، على الرَّغم من دخوله إلى المجلس النيابي عام 1992، إلى أن شارك لأوّل مرة في الحكومة عام 2005، أي بعد اغتيال الحريري، على اعتبار أنّ همّه كان أن يحمي نفسه ويتّخذ غطاءً حكوميًّا رسميًّا له.
عندها أصبح مضطرًّا للقبول باتفاق الطائف، لأنّ الحكومة هي سلطة تنفيذيّة، وليست تشريعيّة.

والمفارقة اليوم أن يحاول نعيم قاسم أن يحتمي باتفاق الطائف، مُستندًا إلى ما لا يتضمّنه الاتفاق، للدفاع عن سلاحه، وتذهب أبواقه الإعلامية أكثر من ذلك، متّهمةً بوقاحةٍ متناهيةٍ رئيسَيْ الجمهورية والحكومة بالانقلاب على الطائف، لأنّهما يريدان سحب سلاح “حزب الله”، الذي تُصرّ هذه الأبواق على أنّه سلاح مقاومة، علمًا أنّ من يستعمله يُؤدّي إلى وقوع ضحايا بالآلاف، وإلى احتلال لبنان من جديد، وليس تحريره، وإلى دمار مناطق بأكملها أكثر من مرّة.

ثمّ يلجأ “حزب الله” إلى مطالبة الدولة بإعمار ما تسبّب هو بتدميره، كما فعل في 2006، وكما يفعل الآن.
وهل دعم فلسطين يكون باحتلال لبنان مُجدّدًا، وقتل آلاف المدنيين وتدميره؟

جاءت جلسة الأمس موفّقةً بتركيزها، كما فعل رئيس الحكومة، على البنود الدستورية والقانونية التي تؤكّد أحقّية الدولة وحدها باستعمال السلاح، ولأنّها جاءت أيضًا ردًّا على ما ساقه قاسم في كلمته التي أرادها ردًّا على ما سيقرّره مجلس الوزراء، ولكن الوقائع لم تساعده، إذ إنّ مجلس الوزراء كان لا يزال مُنعقدًا فيما هو يتكلّم، واستمرّ حتى الثامنة والنصف مساءً، وجاء بمثابة ردٍّ وتفنيدٍ لما طرحه من مواقف واتهامات بالانصياع لما تريده إسرائيل.

كما أنّ الأسلوب الذي اتّبعته جاء مقنعًا لمَن ينتظر قرارًا منطقيًّا طال انتظاره، عبر حصر السلاح بيد الدولة، والطلب إلى الجيش وضع خطةٍ عمليّةٍ لتطبيق هذا الحصر، أي سحب السلاح قبل نهاية العام، وهذا ما رفضه قاسم أيضًا في خطابه، أي رفضه لجدول زمني لتسليم السلاح.

في المقابل، قرّر مجلس الوزراء استئناف النقاش اليوم في الورقة التي طرحها المبعوث الأميركي توم باراك، والتي يُصرّ فيها لبنان على ضرورة انسحاب إسرائيل من النقاط الخمس التي تحتلّها، وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين، ثمّ إعادة الإعمار، وهي نقاط من شأنها أن تقوّي موقف لبنان، كونها مطالب مشتركة ومُحِقّة لا خلاف حولها، يلتقي عليها الجميع، وتحديدًا الثنائي الشيعي، أي “حزب الله” و”حركة أمل”، اللذَيْن قرّرا الحضور ومتابعة النقاش، وعدم لجوء “حزب الله” إلى مواقف تصعيدية، لم تتعدَّ عمليًّا أكثر من مسيرات لدراجاتٍ ناريةٍ ضمن نطاق الضاحية الجنوبية.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us