“الحزب” مأزوم واستعراضه الشعبي مع كلّ استحقاق لم يعد يُجدي نفعًا

قطار التغيير وبناء الدولة والمؤسّسات بدأ بالانطلاق على السكة الصحيحة لاستعادة السيادة اللبنانية، وفي حال تمّ وضع الخطة التنفيذية من قبل الجيش اللبناني قبل نهاية شهر آب وتحديد المهل الزمنية لنزع السلاح وحصره بيد الدولة جنوب وشمال الليطاني، فيُعتبر ذلك إشارة واضحة ورسالة مهمّة للمجتمع الدولي للعودة إلى الوقوف بجانب لبنان ومساعدته على تخطّي أزماته.
كتبت إليونور اسطفان لـ”هنا لبنان”:
لم تكد الحكومة تعلن عن موعد انعقادها حتى بادر حزب الله إلى استعراض قوته عبر مسيراتٍ وتحرّكاتٍ لشبّانٍ يحملون أعلام حزب الله ويرتدون القمصان السود على الدراجات النارية، ويُطلقون شتّى أنواع الهتافات الاستفزازية ويجوبون المناطق التي يستسهلون من خلالها إطلاق عبارات التخويف والتخوين وتذكير المواطنين من الطوائف الأخرى بأنّ الفتنة حاضرة والحرب الأهليّة على الأبواب.
صورةٌ تُسحق معها كلّ ما عمل عليه حزب الله من تضحياتٍ عبر مقاومته للعدو الإسرائيلي مقابل الاستثمار في السياسة الداخلية ومحاولة فرض شروطه بالقوة مستخدمًا “الأهالي” في صراعه مع السلطة، إضافة إلى استخدامهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي لشنّ معارك إلكترونية.
وفيما استخدم الأهالي ولا يزال في الجنوب ضدّ القوات الدولية “اليونيفيل” وصولًا إلى اشتباكاتٍ معها أدّت أكثر من مرة إلى سقوط قتلى وجرحى وأبرزها حادثة الجندي الإيرلندي، فإنّ الحزب لا يتوانى عن استخدام بيئته والتلطّي خلفها عند كلّ مفصل سياسي.
وآخرها ما حصل قبل جلسة مجلس الوزراء التي قُصد بها أنّها احتجاجات شعبية ضدّ بند حصرية السلاح بيد الدولة، والمقصود منها المواجهة مع القوى الأمنية التي اتخذت تدابير مشدّدة لمنع وصول هذه التحرّكات إلى محيط القصر الجمهوري والمناطق المحيطة، كما أنّها أثارت قلق المواطنين من أن تؤدّي إلى منحى أكثر خطورة يؤدي إلى انفلات أمني وعدم استقرار في ظلّ أوضاع وأزمات لا يريد لبنان الدخول فيها مجدّدًا بعد حرب الإسناد والأزمة الاقتصادية والاجتماعية المستفحلة والضغوط الدولية لإجراء الإصلاحات ونزع السلاح.
وبحسب مصادر في حركة أمل لموقع “هنا لبنان”، فإنّها لم تشارك في هذه التظاهرات التي يشجبها رئيس مجلس النواب نبيه بري ولا يريد أي عنصر من أمل الدخول بها حفاظًا على الاستقرار في البلاد.
ووفق عددٍ من المحلّلين، فإنّ اتّباع حزب الله لأسلوب لعبة الأهالي ليكونوا أداةً مدنيةً للتعبير عن مواقفه يأتي خشية من أن يظهر بالمباشر في مواجهة الدولة اللبنانية والمجتمع الدولي، وهذا الأسلوب له جملة أبعاد وأهداف يتجنّب من خلالها الاصطدام المباشر مع الشرعيّة ويُحوّل الأنظار إلى أنّ القضية هي قضية رفض شعبي قبل أن تكون رفضًا حزبيًا، ويعطي نفسه شرعيةً محليةً تؤكد أنّ مواقفه تُعبّر عن شريحة واسعة من اللبنانيين. وعندما يواجه الأهالي قوات اليونيفيل مثلًا ويردعونها عن الدخول إلى قراهم، يتجنّب الحزب مواجهة قرارات الأمم المتحدة ويُبقي نفسه في الظل. أمّا الضغط على رئيس الجمهورية والحكومة عبر الرسائل الميدانيّة مثل محاصرة الوزراء لعدم وصولهم إلى الجلسة وافتعال إشكالات على الطرقات، فمن شأن ذلك كبح اتخاذ أي قرار داخل الحكومة من دون موافقته الضمنية والضغط عليها للقبول بما يريد، وأي تجاهل من قبلها قد يُنتج الفوضى.
واعتبرت مصادر سياسية معارضة لموقع “هنا لبنان” أنّ هذه الأساليب التي يستخدمها حزب الله للتهويل في هذه المرحلة لم تعد تنطلي على أحد، والرسائل التي يطلقها عبر الأهالي باتت تنعكس سلبًا على بيئته بالدرجة الأولى، خصوصًا أنّ حزب الله مأزوم في هذه الفترة بعد الخسارات التي مُني بها جرّاء حرب الإسناد مع إسرائيل والتي استنزفته بعد أن خسر قياداته وعلى رأسها أمينه العام السيد حسن نصرالله وخليفته السيد صفي الدين، كما قُطعت عنه الموارد العسكرية والمالية التي تثقل كاهله وكاهل بيئته الشعبيّة التي باتت من دون مأوى، فيما أوقف عنها الدعم المالي لإعادة الإعمار عبر مؤسّسة “القرض الحسن”.
من هنا، فإنّ الرسائل التخويفية بالفتنة الداخلية التي يُطلقها الحزب وآخرها عبر بيانه بأنّ قرار حكومة الرئيس نوّاف سلام خطيئة كبرى وسيتم التعامل معه كأنّه غير موجود، لم يعد لها أي ترجمة فعليّة بعد أن تصدّت لها الحكومة وعملت على منع تهديد العيش المشترك وتفجير أزمة جديدة داخلها، ولم تخضع لمطالب حزب الله المتعلّقة بعدم نزع السلاح واتخذت موقفًا حازمًا وتاريخيًا على الرَّغم من معارضة بعض الوزراء الذين حاولوا تطيير البند في أول الجلسة. وتقصّد الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم مُخاطبة الحكومة بالتهديد والوعيد قبيل انعقاد الجلسة في بعبدا، وممّا يؤكّد أنّ تهديدات الحزب لم تعد تُجدي نفعًا وأنّه يتعرّض للضغط هو ما جاء في بيان حزب الله الذي عاد وأكّد أنه منفتح على الحوار لإنهاء العدوان الإسرائيلي وتحرير الأرض والأسرى وإعادة الإعمار.
إذًا، قطار التغيير وبناء الدولة والمؤسّسات بدأ بالانطلاق على السكة الصحيحة لاستعادة السيادة اللبنانية، وفي حال تمّ وضع الخطة التنفيذية من قبل الجيش اللبناني قبل نهاية شهر آب وتحديد المهل الزمنية لنزع السلاح وحصره بيد الدولة جنوب وشمال الليطاني، فيُعتبر ذلك إشارة واضحة ورسالة مهمّة للمجتمع الدولي للعودة إلى الوقوف بجانب لبنان ومساعدته على تخطي أزماته. كما يؤكّد أن أساليب حزب الله الاستعراضية ورسائله لم تعد تجدي نفعًا تحت وطأة الضغوط الدولية التي تطال المحور الإيراني أيضًا والذي يتّكئ عليه لتنفيذ مصالحه في المنطقة.