ما الذي سيفعله “الحزب”؟


خاص 7 آب, 2025

جاء قرار مجلس الوزراء الأخير لـ”يُلَبْنِنَ” الخيارات، أي يُرجّح كفّة المواجهة الداخلية (أو المعالجة الداخلية إذا تجاوب “الحزب”)، وفي المقابل، ليبعد احتمالات الحرب الواسعة مع إسرائيل. لكنّ لهذه “اللّبننة” مترتّبات جسيمة. فعلى الدولة أن تدرك مخاطر تراخيها في تطبيق هذا القرار، وإخلالها مجدّدًا بالتزاماتها تجاه واشنطن والمجتمع الدولي والعرب.

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

في سرديّة “حزب الله” عن السلاح، ثمّة حلقة مفقودة يصعب إدراكها وسط الغبار الكثيف المُثار في المعارك الكلامية. فـ”الحزب” يقول للدولة والأميركيين: نحن موافقون على برنامج “الخطوة مقابل خطوة”، وفقًا لما ينصّ عليه اتفاق تشرين الثاني لوقف النار. وفي النهاية، عندما تنسحب إسرائيل من آخر بقعة، وتوقف ضرباتها، ويُعاد بناء القرى المهدّمة، ويرجع أهلها إليها، فسنكون مستعدّين لفتح نقاش حول مستقبل الاستراتيجية الدفاعية. ومن ضمنها، سيكون ممكنًا أن نبحث في مستقبل سلاحنا، وسنقرّر إذا كانت الدولة القائمة حينذاك جديرةً، بواسطة جيشها، بتأمين الحماية لنا ولبيئتنا وللبنانيين في مواجهة إسرائيل أو لا.

طبعًا، إطلاق الوعود بإقامة حوار حول قدرات الدولة، ذات يوم، هو للمناورة وكسب الوقت لا أكثر. فالتجارب أثبتت أنّ النقاش الداخلي اللبناني، ولو استمرّ عشرات الأعوام، لن ينجح في إقناع “الحزب”، المدجّج بترسانةٍ هائلةٍ، بأن الدولة مؤهّلة لتحميه هو والبلد وأهله. وعلى سبيل المثال، هو يقول اليوم إنّ الجيش ضعيف، لأنّ الولايات المتحدة تحرمه من سلاح الطيران الذي يُحقق توازن الرعب مع إسرائيل. ولكن، افتراضًا، إذا جاء اليوم الذي يمتلك فيه الجيش اللبناني مقاتلات أميركية تضاهي بقدراتها تلك التي تملكها إسرائيل، فإنّ “الحزب” سيقول: هذه المقاتلات لا تتحرّك إلّا بأوامر أميركية، أي إنّها ضدّنا وليست معنا، ونحن لا نَأمَنُ لها. ولذلك، سنحمي أنفسنا بالحفاظ على سلاحنا.

إذًا، وخلافًا لما التزم به في اتفاق وقف النار، يرفض “الحزب” في المُطلق أن يتخلّى عن سلاحه، وإلى ما لا نهاية. هذا هو موقفه الحقيقي. وفي عبارةٍ أكثر وضوحًا، هو لا يريد التخلّي عن الترسانة إلّا لدولةٍ هو يقودها بالكامل، وتعترف بشرعية سلاحه، فلا يعود هناك تمييز بينه وبين سلاح الجيش، ويصبح الكل واحدًا.
يريد “الحزب” أن تقوم الدولة بتسليم نفسها إلى سلاحه، وليس العكس. وهذا ليس تحليلًا أو استنتاجًا بل يقوله “الحزب” نفسه بشكل واضح. وهذا الموقف هو نفسه الذي التزمه على مدى عشرات السنين. وتبيّن أن الضربات المريعة التي أصابته وتصيبه كل يوم، في سلاحه ومخزوناته وكوادره وهيكليته القيادية، منذ 8 تشرين الأول 2023، لم تدفعه إلى تليين موقفه، بل هو يبدو مستعدًا، أكثر من أي يوم مضى، لاعتماد خيارات انتحارية عن سابق قصد وتصميم.

وهذا المنحى الانتحاري عبّر عنه الشيخ نعيم قاسم بالخطاب الذي ضبط ساعته على “جلسة السلاح” في قصر بعبدا، وأراد أن يتردّد صداه على طاولة نقاشاتها: لا ثقة في هذه الدولة. سلاحنا ميثاقي ومضمون باتفاق الطائف، أي بإجماع اللبنانيين، ولا قيمة لعدد الوزراء الذين سيصوّتون لسحبه. وفي أي حال، نحن مستعدّون للمواجهة إذا قرّر أحد في الداخل أن يمسّ به. وأمّا مع إسرائيل، فلتكن الحرب مجددًا، ومهما بلغت الأثمان.

إذًا، لا داعي للحوار الذي وعد به الرئيس جوزاف عون، لأنّه لا جدوى منه. فموقف “الحزب” واضح وغير قابل للتبدّل أيًّا كانت الظروف ومهما بلغت الإغراءات… إلّا إذا كان عون وأركان الحكم والقوى السياسية كافّة مستعدين لتسليم الدولة بكاملها إلى “الحزب”. فحينذاك طبعًا، يصبح أمر السلاح سهلًا جدًّا. وكذلك، لا داعي للمفاوضات التي يُجريها توم بارّاك أو سواه من الوسطاء مع أركان الدولة، لأنّهم لا يمونون على “الحزب”. ولذلك، رد بارّاك من جهته بالقول: كذلك، نحن لا نمون على إسرائيل!

في الواقع، كل النّقاشات الدائرة في مسألة السلاح لا قيمة لها. فـ”الحزب” لن يتخلّى عنه إلا إذا أُجبر على ذلك. والإجبار يكون إمّا بالقوة الداخلية، أي بفرض الدولة إرادتها بقواها الذّاتية الشرعية، أو بالقوة الخارجية، أي بالحرب مع إسرائيل.

وقد جاء قرار مجلس الوزراء الأخير لـ”يُلَبْنِنَ” الخيارات، أي يُرجّح كفّة المواجهة الداخلية (أو المعالجة الداخلية إذا تجاوب “الحزب”)، وفي المقابل، ليبعد احتمالات الحرب الواسعة مع إسرائيل. لكنّ لهذه “اللّبننة” مترتّبات جسيمة. فعلى الدولة أن تدرك مخاطر تراخيها في تطبيق هذا القرار، وإخلالها مجدّدًا بالتزاماتها تجاه واشنطن والمجتمع الدولي والعرب.

وفي المقابل، على الأرجح، “حزب الله” سينحني لإمرار العاصفة، على أن يقرّر الخطوات المناسبة في مواعيدها. لكنّه سيتجنّب الخسارة في الداخل بتسليم السلاح إلى الدولة، وفي الخارج بتدميره في حرب واسعة جديدة مع إسرائيل، علمًا أن سلاحه والكوادر يتعرّضون لعملية استنزاف يومية موجعة، لا أفق زمنيًا لانتهائها.

أبطال اللعبة في الداخل كلّهم على أعصابهم، لأنّها لعبة حياة أو موت بالنسبة إلى “الحزب” والدولة، وربما لبنان. وإنّ غدًا لناظره قريب.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us