على طاولة بعبدا… لبنان يختار الدولة لا الدويلة


خاص 8 آب, 2025

في ظلّ الانقسام السياسي والتحديات الإقليمية والدولية، تتمسّك الحكومة اللبنانية بخيار استعادة القرار السيادي ضمن الأطر الدستورية والشرعيّة، متحديةً الضغوط والانسحابات والاحتجاجات المحدودة.

كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:

في خطوةٍ جريئةٍ على طريق استعادة القرار السيادي، عقدت الحكومة اللبنانية جلسةً مفصليّةً في القصر الجمهوري في بعبدا، أمس، برئاسة رئيس الجمهورية جوزاف عون، وبحضور رئيس الحكومة نواف سلام وعدد من الوزراء، لمناقشة ملفاتٍ حسّاسة، أبرزها بند “حصرية السلاح بيد الدولة”، استنادًا إلى البيان الوزاري والتزامات لبنان الوطنية والدولية.
فيما سُجّل انسحاب وزراء “الثنائي الشيعي” بشكلٍ مفاجئ احتجاجًا على مناقشة هذا البند، إلّا أنّ الجلسة استمرّت بما ينسجم مع الدستور ومع حضور وزاري متنوّع يُعبّر عن التمثيل الوطني، ما شكّل تأكيدًا على تمسّك الحكومة بخيار الدولة ومؤسساتها الشرعية.

وقد تزايدت وتيرة التصعيد بعد انتهاء الجلسة، إذ خرجت تظاهرات محدودة في الضاحية الجنوبية شارك فيها مؤيّدون لحزب الله، رفعوا خلالها شعارات تطالب بإسقاط الحكومة، وترفض ما وصفوه بأنّه تدخل خارجي في القرار الوطني. إلّا أنّ الحكومة، وبثباتٍ، أكدت التزامها بإعلاء المصلحة الوطنية والعمل ضمن الأطر الدستورية، في سبيل بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية.

جلسة مفصليّة تتقدّم في لحظةٍ دقيقةٍ

جاء انعقاد الجلسة وسط ضغوطٍ دوليةٍ وعربيةٍ متزايدةٍ لتثبيت وقف إطلاق النار على الحدود الجنوبية، قبل مناقشة تفاصيل الورقة التي قدّمها الموفد الأميركي الخاص، توماس براك، والتي تتناول ترتيبات المرحلة الانتقالية، وتتضمّن مطالب تتعلّق بإنهاء الوجود المسلح خارج إطار الدولة اللبنانية، بما يشمل مختلف الفصائل، ضمن جدول زمني يمتدّ حتى نهاية عام 2025.

وقد شكّلت الجلسة محطةً سياسيةً بالغة الأهمية، إذ أعادت إلى الواجهة ملفًا طالما شغل الرأي العام اللبناني، وسط تطورات إقليمية تعيد ترتيب الأولويات، ودفع دولي لإعلاء سيادة الدولة وتعزيز مؤسساتها الشرعية.

انسحاب وزاري يفتح نقاش “الميثاقية”

سجّل وزراء “الثنائي الشيعي” انسحابًا مفاجئًا من الجلسة اعتراضًا على مناقشة بند “حصرية السلاح” ضمن ورقة دولية، معتبرين أنّ ذلك يتطلب توافقًا سياسيًا أوسع.
ومع ذلك، استمرّت الجلسة بما ينسجم مع النصوص الدستورية، ما فتح نقاشًا حول مفهوم “الميثاقية” وحدودها في ظلّ النظام السياسي اللبناني القائم على الشراكة، من دون أن يكون ذلك ذريعةً لتعطيل المؤسسات.

سعيد مالك: لا يمكن التذرّع بالميثاقية لتقييد القرار

وفي هذا السياق، شدّد الخبير الدستوري سعيد مالك على أنّ مفهوم الميثاقية في النظام اللبناني، كما نصّ عليه ميثاق العام 1943، يقوم على التوازن بين المسلمين والمسيحيين، وليس بين المذاهب داخل الطائفة الواحدة. وبالتّالي، لا يمكن التذرّع بالميثاقية في حال غاب ممثلو مذهب مُعيّن عن جلسةٍ حكوميةٍ، لأنّ ذلك من شأنه أن يؤديَ إلى شللٍ في عمل المؤسّسات وتعطيل الحياة العامة.

وأضاف مالك أنّ استخدام الميثاقيّة كأداةٍ لتعطيل الحكومة مرفوض من حيث المبدأ، ولا يصحّ الاستناد إليها عندما يكون الهدف شلّ العمل الدستوري أو فرض إرادة أقليةٍ على قرار الأكثرية، ما يشكّل مخالفةً جوهريةً لمبدأ الديمقراطية التوافقية. ولفت إلى أنّه لا يجوز أيضًا احتكار القرار داخل الطائفة الواحدة، كما لا يمكن لمَن ينسحب طوعًا من الجلسات أو من الحكومة في وقتٍ لاحقٍ أن يحتجَّ بغياب الميثاقية، لأنه بذلك يكون قد وضع نفسه خارج الإجماع الوطني.

وختم مالك بالإشارة إلى دراسةٍ قيّمةٍ للبروفيسور أنطوان مسرّة، أكدت أن الميثاقية لا تهدف إلى تعطيل المؤسسات أو تقييد القرار الديمقراطي، بل إلى ضمان التمثيل العادل لكلّ المكوّنات ومنع التفرّد، وهو أمر لا ينطبق على الحالة السياسية الراهنة، حيث لم يكن هناك استبعاد لأي فريق أو محاولة لفرض قرارٍ أحادي.

في ظلّ الانقسام السياسي والتحديات الإقليمية والدولية، تتمسّك الحكومة اللبنانية بخيار استعادة القرار السيادي ضمن الأطر الدستورية والشرعيّة، متحديةً الضغوط والانسحابات والاحتجاجات المحدودة. وقد أثبتت من خلال جلسة مجلس الوزراء أمس أنّها عازمة على المضي قدمًا في ترسيخ سيادة الدولة وتفعيل مؤسساتها بعيدًا عن الحسابات الفئوية. إنّ هذا الموقف الرسمي، المدعوم محليًا ودوليًا، يشكّل فرصةً حقيقيةً لإعادة بناء الدولة على قاعدة الشراكة الوطنية لا التعطيل، والقرار السيادي لا الفوضى، في لحظةٍ دقيقةٍ تتطلّب التبصّر والمسؤولية لا التصلّب والانقسام.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us