لبنان رسميًا على لائحة الدول عالية المخاطر للاتحاد الأوروبي


خاص 8 آب, 2025

من المهم التأكيد أن هذا التصنيف لا يفرض عقوبات، ولا يؤثّر في المساعدات الأوروبية المقدّمة للبنان، كما لا يحدّ من العلاقات التجارية القائمة. والأهم، أنه لا يعني قطع العلاقات المصرفية بين لبنان والمصارف الأوروبية، بل يفرض فقط مستوًى أعلى من التدقيق والحذر في التعاملات.

كتب أنطوان سعادة لـ”هنا لبنان”:

في بلدٍ اعتاد مواطنوه أن يستيقظوا على شائعاتٍ أكثر سوادًا من الواقع، جاء صباح 5 آب محمّلًا بمصطلحاتٍ ملتبسة: “اللائحة السوداء”، “اللائحة الرمادية”، “عقوبات أوروبية”… فيما الحقيقة، كما العادة، ضاعت بين عناوين مُضخّمة وفهمٍ منقوص. القرار الأوروبي الأخير بإدراج لبنان على “اللائحة الرمادية” دخل حيّز التنفيذ رسميًا بعد نشره في الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي في 16 تموز. لم يكن القرار مفاجئًا، لكنّه بالتأكيد لم يكن حدثًا عاديًا. هو ليس نهاية الطريق، لكنه أيضًا ليس مجرّد “إجراء روتيني”.

وهنا لا بدّ من توضيحٍ مهمٍ، سقط عن الكثير من التحليلات: اللائحة الرمادية الأوروبية التي دخل لبنان ضمنها، ليست هي اللائحة الرمادية نفسها لمجموعة العمل المالي (FATF).
فالـ”FATF”، وهي الجهة الدولية المرجعيّة في قضايا مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، كانت قد أدرجت لبنان على لائحتها الرمادية، بناءً على تقييم فني تضمّن نقاط ضعف في أنظمة الرقابة والتنفيذ. أمّا الاتحاد الأوروبي، فاعتمد لاحقًا على هذا التصنيف ليُدرج لبنان ضمن لائحته الخاصة – الأوروبية – التي تُعرف باسم “لائحة الدول الثالثة عالية المخاطر”.

بكلامٍ أوضح، الاتحاد الأوروبي لا يجري تقييمًا مستقلًا للبنان، بل يعتمد على تقارير ومراجعات “FATF” ليبني عليها إجراءاته التنظيمية الخاصّة التي تهدف إلى حماية نظامه المالي. وبالتالي، إدراج لبنان على اللائحة الرمادية الأوروبية هو نتيجة تلقائية لإدراجه من قبل “FATF”.

صحيح أن لبنان التزم بخطة عمل واضحة مع مجموعة “FATF” تمتدّ حتى مطلع 2027، وصحيح أنّ هذه الخطة تُمثّل نافذةً للعبور الآمن إذا ما التزم بها بجدّية، لكنّ السؤال الأهم ليس فقط ما إذا كان لبنان سيلتزم، بل مَن تحديدًا سيقوم بالتنفيذ؟ ومن سيتحمّل الكلفة؟

في الكواليس، يُدرك الفاعلون الماليّون أنّ التصعيد إلى اللائحة السوداء لا يحصل تلقائيًا، بل نتيجة تعنّت أو تقصير واضح. ولكن في المشهد العام، المطلوب قراءة أكثر هدوءًا لما حصل. لا تهويل، ولا تبسيط. فإدراج لبنان على “اللائحة الرمادية” هو جرس إنذار لا صفعة، وتنبيه لا عقوبة. لكنّه أيضًا، فرصة – إن أُحسن استغلالها – لتعديل المسار قبل أن تُغلَق النوافذ كليًّا.

بموجب إدراج لبنان على اللائحة الرمادية الأوروبية، تُصبح المؤسسات المالية داخل دول الاتحاد الأوروبي ملزمةً باتّباع إجراءاتٍ رقابيةٍ مشدّدة عند التعامل مع جهات أو أفراد من لبنان.
هذه الإجراءات تشمل، على سبيل المثال لا الحصر:
– تدقيقًا موسّعًا لهوية العملاء اللبنانيين.
– مراقبةً دائمةً ومفصّلةً للتحويلات والمعاملات.
– تشدّدًا ملحوظًا في تنفيذ أو استقبال الحوالات المالية.

وبين سطور هذه الإجراءات، تلوح مخاطر حقيقية لقراراتٍ قد تتخذها بعض البنوك الأوروبية في إطار ما يُعرف بـ”تقليص المخاطر” (de-risking)، كأن تلجأ إلى إغلاق حساباتٍ مرتبطةٍ بلبنان أو الامتناع عن إجراء عمليات مالية تعتبرها “محفوفةً بالريبة”.
ومع ذلك، من المهم التأكيد أن هذا التصنيف لا يفرض عقوبات، ولا يؤثّر في المساعدات الأوروبية المقدّمة للبنان، كما لا يحدّ من العلاقات التجارية القائمة. والأهم، أنه لا يعني قطع العلاقات المصرفية بين لبنان والمصارف الأوروبية، بل يفرض فقط مستوًى أعلى من التدقيق والحذر في التعاملات.

يُدرج لبنان في القسم الأول من الملحق الموحد للائحة الاتحاد الأوروبي، وهو القسم الذي يُعادل اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي “FATF”. يشارك لبنان هذا القسم مع دول مثل موناكو، الجزائر، وجنوب أفريقيا، ما يعكس وضعًا متوسط المخاطر يتطلب متابعة مستمرة.
أما القسم الثاني، فيشمل دولًا ذات مخاطر أعلى مثل إيران. بينما يضمّ القسم الثالث الدول المدرجة على اللائحة السوداء، مثل كوريا الشمالية. وبالتالي، في حال تم تصنيف لبنان على اللائحة السوداء من قبل “FATF”، فإنه سينتقل تلقائيًا إلى القسم الثاني أو الثالث في لائحة الاتحاد الأوروبي، ممًا يعكس تصعيدًا واضحًا في مستوى المراقبة والقيود المحتملة.

في نهاية المطاف، لا يمكن الخروج من دائرة اللائحة الرمادية إلّا عبر إصلاح جذري يُعيد ترتيب الأولويات الوطنية، بعيدًا عن اقتصاد الكاش المُظلم الذي لا يزال يشكّل بيئةً خصبةً لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب. على الدولة أن تتحمّل مسؤولياتها كاملةً في تعزيز الشفافية، وتقوية الرقابة المالية، وتفعيل القضاء المستقل، بدلًا من الاستمرار في الحلول الجزئية التي لا تعدو كونها ترقيعًا موقتًا.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us