قانون الإيجارات للأماكن غير السكنية بين التطبيق والتعديل

على الرغم من أنّ هذه التعديلات قد تُعتبر مجحفة بحقّ المالكين، ولا سيّما من خلال تخفيض بدل المثل وتمديد المهل التي قد تصل إلى ثماني سنوات، إلا أنها تُجسّد مقاربة أكثر واقعيّة تأخذ في الحسبان التفاوت في أوضاع المستأجرين وتسعى إلى إرساء توازن قانوني واجتماعي مستدام في العلاقة التعاقديّة بين المؤجّر والمستأجر
كتبت نور بو عبود لـ”هنا لبنان”:
بعد جدلٍ طويلٍ وفترةٍ مديدةٍ من الأخذ والرد، دخل القانون رقم 11 المتعلّق بالإيجارات للأماكن غير السكنية حيّز التنفيذ بتاريخ 12 حزيران 2025، واضعًا حدًّا لفراغٍ تشريعي استمرّ لسنوات. وفي جلسته المنعقدة بتاريخ 31 تموز 2025، أقرّ المشرّع اللبناني ثلاثة تعديلات أساسيّة على هذا القانون، شكّلت محطّات مفصليّة في مسار تنظيم العلاقة بين المالكين والمستأجرين.
أولًا، تمّ تعديل طريقة احتساب بدل المثل، فبعدما كان يُحتسب بنسبة 8% من قيمة العقار، بات يُحتسب بنسبة 5% فقط، ما يُشكّل انخفاضًا ملحوظًا في العائد المالي المتوقع للمؤجّر.
ثانيًا، أُعيدت صياغة المادة الثالثة المتعلّقة بالمهل التمديديّة للعقود، فبعد أن كان الخيار متروكًا للمالك بين مهلة سنتين من دون زيادات أو أربع سنوات مع زيادات تدريجيّة على البدلات، أصبح التمديد يُحدَّد بحسب تصنيف المستأجرين ضمن أربع فئات:
1. الفئة الأولى: المستأجرون الذين لم يسدّدوا بدل خلو، تُمدَّد عقودهم لمدة خمس سنوات.
2. الفئة الثانية: المستأجرون الذين سدّدوا بدل خلو قبل عام 2015، تُمدَّد عقودهم لمدة ست سنوات.
3. الفئة الثالثة: المستأجرون الذين سدّدوا بدل خلو بعد عام 2015، تُمدَّد عقودهم لمدة سبع سنوات.
4. الفئة الرابعة: عقود الإيجار العائدة للإدارات العامّة أو للمؤسّسات التجاريّة التابعة لأصحاب المهن الحرة، تُمدَّد لمدة ثماني سنوات.
ثالثًا، أُعيد النظر بنِسَب الزيادات التدريجيّة على بدلات الإيجار، حيث أصبحت تُطبَّق تدريجيًا على مدى السنوات الأولى من التمديد، وصولًا إلى بدل المثل الكامل، مع تمييز واضح بين الفئات الأربع وفق جداول محددة:
– بالنسبة إلى الفئتين الأولى والثانية، أصبحت الزيادات على ثلاث مراحل: 30% في السنة الأولى، و40% في الثانية، و50% في الثالثة، على أن يُدفع بدل المثل في السنوات اللاحقة.
– أما بالنسبة إلى الفئتين الثالثة والرابعة، فتُطبَّق الزيادات على أربع مراحل: 30% في السنة الأولى، و40% في الثانية، و50% في الثالثة، و60% في الرابعة، على أن يُدفع بدل المثل في السنوات التالية.
واللافت في القانون الجديد أنه لا يحتاج إلى أيّة مراسيم تطبيقيّة، على خلاف قانون الإيجارات السكنيّة الصادر عام 2014، الذي لم تُصدر مراسيمه التطبيقية إلا بعد مرور أربع سنوات على نفاذه، وتحديدًا في عام 2019.
كذلك، نصّ التعديل الجديد صراحةً على أنّ جميع الدعاوى المقدّمة قبل دخول القانون رقم 11 حيّز التنفيذ، تبقى خاضعة لأحكام القوانين التي أُقيمت بموجبها. بمعنى أوضح، فإنّ دعاوى الإخلاء التي أُقيمت خلال فترة الفراغ التشريعي استنادًا إلى قانون الموجبات والعقود، تبقى خاضعة لأحكام هذا القانون طالما أنها قُدّمت قبل نفاذ القانون الجديد، ما يحسم الجدل القانوني حول أثر القانون رقم 11 على الدعاوى السابقة ويُكرّس مبدأ عدم الرجعيّة في تطبيق النصوص القانونيّة.
وفي هذا السياق، يجب التنبيه إلى أنّ مجلس النواب صوّت في جلسته الأخيرة على التعديلات فقط، ما يعني أنه يُفترض نشر المواد المعدّلة حصرًا وليس القانون بأكمله، وهي نقطة جوهريّة لتفادي الالتباس الذي حصل سابقًا في قانون الإيجارات السكنيّة، حين أُقرّ القانون عام 2014 ثم أعيد نشر جميع مواد القانون المعدّلة وغير المعدّلة عام 2017، ما أحدث بلبلة قانونيّة في المحاكم وأدّى إلى تباين في التفسير والتطبيق خصوصًا لجهة المهل والزيادات.
في الختام، وعلى الرغم من أنّ هذه التعديلات قد تُعتبر مجحفة بحقّ المالكين، ولا سيّما من خلال تخفيض بدل المثل وتمديد المهل التي قد تصل إلى ثماني سنوات، إلا أنها تُجسّد مقاربة أكثر واقعيّة تأخذ في الحسبان التفاوت في أوضاع المستأجرين وتسعى إلى إرساء توازن قانوني واجتماعي مستدام في العلاقة التعاقديّة بين المؤجّر والمستأجر، إلى حين الانتهاء من القوانين الاستثنائيّة سواء في الإيجارات السكنيّة أو غير السكنيّة.