حصرية بشارة السلام بيد الراعي

الطريق إلى نهاية العام الجاري لن تكون مفروشةً بالورود، من دون الأشواك التي يؤكّد يوميًا الناطقون باسم “الحزب” وجودها، كما تؤكّد تصريحات المسؤولين الإيرانيين الذين استباحوا حرمة العلاقات الدبلوماسية من خلال التحريض على كسر قرار حصرية السلاح.
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
أطلّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، يرافقه السفير البابوي المونسنيور باولو بورجيا، أمس، من الحافة الأمامية للجنوب. وتمثّل هذه الزيارة كمثل الحمامة التي عادت بغصن الزيتون إلى سفينة نوح بعد الطوفان. وأتت هذه الزيارة بعد أشهرٍ من إقرار اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب الأخيرة في 27 تشرين الثاني الماضي. ويمثّل إعلان البطريرك في جولته “لا للحرب، نعم للسلام” تجسيدًا للمسار الذي تمضي عليه أحداث لبنان والتي بلغت ذروتها في قرار الحكومة الأخير بالشروع في تنفيذ “حصرية السلاح” بيد الدولة. ويستحق البطريرك أن يحمل الآن لقب رائد قرار “حصرية بشارة السلام” الذي يمثّل نهاية المطاف لجلجلة لبنان.
يعلم ذوو الاطلاع على التطورات أنّ جولة الراعي الجنوبية أتت وسط انهماك قيادة الجيش اللبناني بإعداد الخطة التي طلب مجلس الوزراء الثلاثاء الماضي تحضيرها قبل نهاية الشهر الجاري، لمناقشتها واعتمادها كخريطة طريق لتنفيذ قرار حصرية السلاح في فترةٍ تمتدّ حتى نهاية العام الجاري. واستبقت جولة البطريرك أيضًا قرار تمديد ولاية قوات اليونيفيل في نهاية آب الحالي، وسط غموضٍ حول مصير التمويل الأميركي لها والجدَل حول الصلاحيّات التي يجب أن تتمتع بها القوات الدولية في فترة ولايتها المقبلة.
يمر لبنان حاليًا في أهم مرحلة في تاريخه الحديث بعدما حان الوقت لإنهاء ازدواجية قرار استخدام السلاح بدءًا من حرب عام 1975، أي قبل نصف قرن. ويحتاج الوطن خلال هذه المرحلة ألّا تُترك المسؤولية عن تحمّل أعباء هذه المرحلة على عاتق السلطة التنفيذية وحدها، ممثلةً برئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام والحكومة. بل هناك مسؤوليات كبرى تقع على عاتق السلطة المدنيّة بكافّة أشكالها السياسية والاجتماعية والدينية وغيرها. وتتمثل هذه المسؤولية في خلق قوة ضغط معنوية على أوسع نطاق كي يضيق الهامش أمام قوى الاعتراض، ومن بينها “حزب الله” ومعه إيران، الذين ينطقون بلغة الماضي الذي أوصل لبنان إلى قعر الهاوية.
تُفيد المعلومات بأنّ أجواء رئاسة الجمهورية تنحو إلى التفاؤل بمستقبل لبنان انطلاقًا من التحضير الجاري على مستوى قيادة الجيش لإعداد خطة تنفيذ قرار حصرية السلاح. ويسود الأجواء الرسمية مناخ جديد من الوئام لم يعرفه لبنان من قبل. لكن في الوقت نفسه، ما زالت الأنظار متجهة إلى ما يمكن أن تقدم عليه إسرائيل انطلاقًا من حساباتها ومصالحها. كما تتجه الأنظار إلى ما يمكن أن يطرأ داخليًا من أحداث ليست في الحسبان.
وتلفت هذه المعلومات إلى أنّ اجتياز لبنان مرحلة خطة تنفيذ قرار حصرية السلاح في نهاية الشهر الجاري يعني الكثير لأوساط الحكم التي تتطلع إلى تحريك ملف المساعدات التي يحتاج إليها لبنان بصورة ماسة لتعزيز إمكانات الجيش كي يمضي قدمًا في تنفيذ قرار حصرية السلاح. كما يحتاج لبنان إلى هذه المساعدات لإطلاق ورشة إعادة الإعمار التي كان يفترض أن تنطلق من إقرار اتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الماضي.
يُدرك المعنيون على مستوى صناعة القرار أنّ الطريق إلى نهاية العام الجاري لن تكون مفروشةً بالورود، من دون الأشواك التي يؤكّد يوميًا الناطقون باسم “حزب الله” وجودها، كما تؤكّد وجود هذه الأشواك تصريحات المسؤولين الإيرانيين الذين استباحوا حرمة العلاقات الدبلوماسية التي تنظّم التواصل بين كل دول العالم من خلال التحريض على كسر قرار حصرية السلاح بدعم بقاء سلاح “حزب الله” خارج الدولة.
بانتظار وضوح صورة الأحداث في المدى القريب، يُشير المراقبون إلى أهمية مرافقة السفير البابوي في لبنان البطريرك الماروني في جولته الجنوبية، أمس. ويعلم من واكب مسار اهتمام حاضرة الفاتيكان بملف لبنان منذ زمن طويل أنّ قرار المرجعية الكنسية الكاثوليكية هو نشر مظلّة أمان فوق لبنان في أصعب المراحل، وآخرها في الحرب الأخيرة. وقد قام الفاتيكان بكلّ ما يلزم كي تبقى القرى والبلدات المسيحية في المنطقة الحدودية من الجنوب مأهولة على الرَّغم من الظروف الصعبة جدًا التي رافقت العيش في الحافّة الأمامية منذ إطلاق “حزب الله” حرب الإسناد في تشرين الأول عام 2023، والتي تطوّرت إلى حربٍ داميةٍ في الخريف الماضي.
يستطيع المرء أن يُقارب بين قرار الصمود في القرى والبلدات التي جال عليها أمس البطريرك الراعي، يرافقه السفير البابوي، وبين تصريحات المسؤولين الإيرانيين، وآخرهم أمين المجلس الاستراتيجي الإيراني علي باقري، الذي صرّح بأن “حزب الله” قوة متجذّرة في الشعب اللبناني ولن تنجح محاولات إخراجه من المعادلة.
يبقى أنّ ما قاله البطريرك أمس في الجنوب هو الذي يشقّ طريقه إلى النور. فقد أكد الراعي أن “الحرب ضدّ كل البشر، ولا تجلب سوى الدمار والخراب والتهجير”، داعيًا إلى الصلاة من أجل “سلام دائم وعادل للبنان”.
أطلق البطريرك أمس بشارة السلام من أرض الطوفان الذي بدأ الانحسار بعد عقودٍ من الأهوال.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() نيترات السلاح في عنبر الحكومة | ![]() فيلم أميركي طويل | ![]() الحزب بعد نزع السلاح… “فرقة كشافة” |