شجاعة القرار!

سقطت ورقة التوت عن وحدة الصف الشيعي السياسي. نبيه بري اختار أن يقف مع الدولة، حافظ على الحكومة، ومنع الفوضى في الشارع، بينما حزب الله اختار الاستعراض بدل المواجهة، بالدراجات النارية بدل المواقف الفعلية. والسبب واضح: قدرة الحزب على المواجهة تراجعت.
كتب أسعد بشارة لـ”هنا لبنان”:
لبنان يقف اليوم على أعتاب لحظةٍ تاريخيةٍ لن تُمحى من ذاكرته السياسية. الحكومة قالت كلمتها: السلاح خارج الدولة انتهى زمنه. لم يعد ممكنًا أن تبقى فوهات البنادق فوق الدستور، ولا أن يُرهن القرار الوطني لمصالح فئة أو مشروع يتجاوز حدود لبنان. القرار ليس تفصيلًا، إنّه إعلان مواجهة مع واقع شاذٍّ استمرّ عقودًا، والمرحلة المقبلة لن تحتمل التراجع أو المساومة.
الرسالة التي حملها الموفد الأميركي توم باراك إلى الرئيس جوزاف عون ورئيس الحكومة نوّاف سلام كانت قاطعةً: إمّا أن يُسحب السلاح من خارج سلطة الدولة، أو يُترك لبنان لمصيره بلا غطاء، تحت عقوباتٍ قاسيةٍ، وفي مواجهةٍ مفتوحةٍ مع إسرائيل بلا ضمانات. هذه ليست نصيحةً دبلوماسيةً، بل إنذار دولي واضح، وجواب الدولة جاء بالحسم: نعم، سنُعيد السلاح إلى الشرعية.
الورقة الأميركية لم تكن مجرّد شروط، بل عرضًا لمكاسب سيادية واستراتيجية: انسحاب إسرائيلي كامل، تحرير الأسرى، كشف مصير المفقودين، ترسيم الحدود، فتح باب الإعمار، ومؤتمر دولي واسع الدعم. لكن كلّ ذلك مشروط بإنهاء هيمنة السلاح الحزبي على القرار الوطني. هذه فرصة تاريخية لا يملك لبنان ترفَ تفويتها.
في الداخل، سقطت ورقة التوت عن وحدة الصف الشيعي السياسي. نبيه بري اختار أن يقف مع الدولة، حافظ على الحكومة، ومنع الفوضى في الشارع، بينما حزب الله اختار الاستعراض بدل المواجهة، بالدراجات النارية بدل المواقف الفعلية. والسبب واضح: قدرة الحزب على المواجهة تراجعت. إيران في موقع دفاعي، خطوط الإمداد مقطوعة، الغطاء العربي – الدولي لمصلحة الدولة مُتماسك، والسلطة كسرت حاجز الخوف الذي كان سلاح الحزب يحتمي خلفه.
الجيش يستعدّ للتحرك قبل الحادي والثلاثين من آب بخطةٍ واضحةٍ، مدعومًا بغطاء سياسي ودولي غير مسبوق، وبطلب دعم مالي وصل إلى مليار دولار سنويًا لتثبيت الاستقرار وإنجاز المهمة. بعد هذا التاريخ، لن يكون هناك مجال للتهرّب: التعطيل يعني مواجهةً مع المجتمع الدولي، وربّما مع إسرائيل نفسها.
اليوم، لبنان أمام خيارَيْن لا ثالث لهما: إمّا أن يكون دولة كاملة السيادة تُمسك بسلاحها وقرارها، أو يبقى رهينة مشروع مسلّح يعطّل المؤسسات ويجرّ البلاد إلى الخراب. المعركة بدأت، ومَن يراهن على تعب الدولة أو تراجعها سيكتشف أن هذه المرة مختلفة — هذه معركة كرامة وطنية، وكلّ من يقف خلف الشرعية هو شريك في صناعة لبنان الجديد.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() اختراعات الشيخ نعيم | ![]() الأردن: حكمة المرور بين الأزمات | ![]() انتهى الدلع |