لاريجاني “إسفنجة” لامتصاص الغضب اللبناني

كان رئيس الجمهورية واضحاً وحاسماً حين رفض استقواء أي طرف بالخارج. وعلى لاريجاني أن يعلم أنّ زمن سيطرة “الحزب” على القرار في لبنان، وفرض ما يريد أحياناً بقوة السلاح، انتهى، وأنّ عليه الكف عن التعاطي مع لبنان وكأنه تابع لإيران، أو قاعدة كان ينطلق منها “الحزب” الذي ما زال يرضى أن يكون في النهاية أداةً لتحسين ظروف طهران في المفاوضات مع واشنطن
كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:
هل شُكر الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني لرئيس المجلس النيابي نبيه بري على ترتيبه الزيارة والتحضير لها، كما أكد خلال خروجه من الاجتماع معه في عين التينة، جعل منها مقبولة رسمياً ولدى اللبنانيين؟ ولماذا تطوع رئيس حركة أمل لتنظيمها؟ هل لتهدئة أجواء الاحتقان والاعتذار من الدولة اللبنانية أم لفك العزلة عن “حزب الله”؟
تحتشد طوابير “الموتسيكلات” على طريق المطار، ويقطع المناصرون الطرقات لاستقبال المسؤول الإيراني، هاتفين بحياة خامنئي، فيما نعيم قاسم لا ذكر له ولا صورة. ويتهمون بالمقابل الآخرين بالتبعية والعمالة لأميركا والغرب. تشن إيران حملة على لبنان وكأنها ولي أمره، وهي التي نصبت نفسها الولي الفقيه. وهذا علي أكبر ولايتي يشن هجوماً على السلطة اللبنانية معلناً أنّ نزع سلاح الحزب “حلم لن يتحقق”، ثم يتبعه وزير الخارجية عباس عراقجي الذي يعتبر أنّ “سلاح حزب الله” أثبت فعاليته في المعركة وأن قرار الحكومة بسحبه سيفشل، وتتبعه تصريحات على نفس المنوال. ثم فجأة، وبعد ردات الفعل الواضحة والحازمة من لبنان، الذي استاء من هذه التصريحات التي تتعرض لسيادة لبنان، وتحديداً وزير الخارجية الذي يرد بعنف ولأول مرة، رافضاً ما اعتبره تدخلاً إيرانياً في الشأن اللبناني الداخلي، تقرر طهران إرسال لاريجاني إلى بيروت من دون أن يكون واضحاً إذا ما كان الهدف لترطيب الخواطر أم لمزيد من الضغط على الحكومة اللبنانية، فيما المعلومات تفيد أنّ وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي لن يستقبل لاريجاني. فهل كانت الزيارة عملية تذاكٍ إيرانية تمهيداً للأجواء بشن حملة هجوم على الحكم في لبنان وانتظار ردة الفعل، ثم السعي لترقيع ما أثارته التصريحات عبر إرسال لاريجاني إلى بيروت؟ والغريب أن ما تريده السلطة الإيرانية من لبنان عبر ذراعها “حزب الله” لم تتمكن هي نفسها من فعله عندما تعرضت لحرب من إسرائيل استمرت اثني عشر يوماً ودعمتها واشنطن بعملية تدمير لمنشآتها النووية الثلاث. إيران التي أثبتت فشلها في الرد والدفاع عن نفسها استمرت مع ذلك في الإعلان عن استعدادها للتفاوض والبحث عن أقنية للتواصل مع واشنطن، فيما تقوم أداتها “حزب الله” باتهام الحكومة ورئيسها بالعمالة لأنها تحاول إيجاد حل سلمي لحرب كان “حزب الله” نفسه من بدأها بادعاء مساندة الفلسطينيين في غزة، وجرت عليه دماراً غير مسبوق أدى إلى اغتيال أمينه العام حسن نصرالله وخليفته المعيَّن هاشم صفي الدين والقيادة العسكرية وعشرات الكوادر والقادة الميدانيين، ناهيك عن آلاف الضحايا ومئات آلاف المهجرين والمدن والقرى المدمرة. فعن أي مقاومة يتكلم “حزب الله”؟ ولماذا يصر على الاحتفاظ بسلاحه الذي سبب له كل هذا الدمار وهذه الويلات؟ وبماذا تتباهى طهران؟
رئيس الجمهورية كان واضحاً وحاسماً مع لاريجاني عندما أكد له أن السلاح ممنوع استعماله من أي طرف غير الدولة اللبنانية، وأن من غير المقبول التعرض لسيادة لبنان والتدخل في شؤونه الداخلية، كلام واضح لم يسبق أن سمعه مسؤولون إيرانيون في السابق. التغني بالمقاومة يردده عناصر “حزب الله” وكأنهم ببغاوات، فيما الناس والأهالي الجنوبيون همهم الحصول على سقف يأويهم ولقمة خبز تسد جوعهم.
بالمقابل، وافق “حزب الله” بشكل علني ومباشر على وقف إطلاق النار الذي يقوم على أساس القرار الأممي 1701، والذي يتضمن القرارين 1559 الذي ينص على تسليم السلاح، والقرار 1680 الذي يفرض ترسيم الحدود مع سوريا. وكرر “حزب الله” موافقته على وقف إطلاق النار وعلى القرار 1701، ولكنه في الوقت عينه لا يلتزم به وبرفض تسليم سلاحه. كي يفعل ماذا؟ للاستعمال في الداخل طالما أنه فشل في استعماله في الخارج وضد إسرائيل؟ كما أنه بعد خسارته دعم الخاصرة الأسدية يعلن الحرب على الحكم السوري الجديد محاولاً إشعال فتنة مذهبية. على “حزب الله” وإيران من خلفه أن يفهموا أن دورهم الإقليمي انتهى، وأن التدخل في شؤون لبنان وسوريا والعراق وفلسطين أصبح في حالة نزاع.
وهذا رئيس الجمهورية كان واضحاً وحاسماً حين رفض استقواء أي طرف بالخارج. وعلى لاريجاني، وهذا الأهم، أن يعلم أن زمن سيطرة “حزب الله” على القرار في لبنان، وفرض ما يريد أحياناً بقوة السلاح، انتهى، وأن عليه الكف عن التعاطي مع لبنان وكأنه تابع لإيران، أو قاعدة كان ينطلق منها “حزب الله” الذي ما زال يرضى أن يكون في النهاية أداة لتحسين ظروف طهران في المفاوضات مع واشنطن.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() القرار اتُّخذ | ![]() هل مهّد باراك لمفاوضة “الحزب”؟ | ![]() الجلسة النيابية تفضح التيار |