حين ترتفع الأسعار بسبب التضخّم… معاشك اليوم وفاتورتك غدًا… هذه هي حال اللبنانيين!


خاص 16 آب, 2025

معاش الموظف يتبخّر قبل أن يلامس جيبته، وكأنّه مجرد رقم يمرّ في الحساب ليغادر فورًا نحو فواتير الكهرباء والمياه والاشتراكات، بينما ما يتبقّى بالكاد يُغطّي بعض احتياجات الغذاء الأساسية. أمّا أي نفقات أخرى، من تعليمٍ وصحةٍ ونقلٍ، فقد تحوّلت إلى ترفٍ لا يجرؤ الكثيرون على التفكير فيه.

كتب أنطوان سعادة لـ”هنا لبنان”:

الأسعارُ في الأسواق باتت كابوسًا يوميًا يطارد كل أسرة… المئة دولار التي كانت تكفي أسبوعًا، بالكاد تصمدُ يومَيْن اليوم. كلُّ شيءٍ يرتفع إلّا الرواتب، وكأنّنا نركض خلف قطار التضخّم الذي لا ينوي التوقّف أو الالتفات إلى الركاب المنهكين. خلال الأشهر الثلاثة الماضية، تسارعت وتيرة الغلاء بشكلٍ جنونيّ، حتّى باتت قائمة الأسعار تتغيّر بوتيرةٍ أسرع من قدرة المستهلك على استيعابها. الأسباب معلومة للجميع: تراجُع العملة، ضعف الرقابة، جشع بعض التجار، وفوضى الاستيراد… لكن لا أحد يتجرّأ على كبحها أو وضع حدٍّ لها. في المقابل، يجد المواطن نفسَه المموّل الرسمي لعجز الدولة، والخاسر الأكبر في معركة السوق المفتوحة بلا ضوابط، حيث تتحوّل أبسط الاحتياجات اليومية إلى عبءٍ ثقيلٍ على ميزانية الأسرة، وحيث يبدو الأمل بالاستقرار مجرّد حلمٍ مؤجّل.

وبطبيعة الحال، ونظرًا لارتفاعِ نسبة المكوّنات المستوردة في الاقتصادِ اللبناني، فإنّ التضخّم المحليّ يتأثّرُ سريعًا بأي ضعفٍ في الدولار الأميركي أو بارتفاعاتٍ مفاجئةٍ في أسعار بعض السلع الأساسية عالميًا. لكنّ القصة لا تنتهي هنا، فهناك تعديلٌ تدريجيٌ للأسعار بالليرة لتعويض انهيار سعر الصرف ما بين 2019 و2023، يشملُ رفع الأجور بالليرة اللبنانية وزيادة الضرائب تدريجيًا لإعادة بناء قاعدة الإيرادات بالقيمة الحقيقية.

وفي هذا السياق، أوضح المدير العام لوزارة الاقتصاد، الدكتور محمد أبو حيدر، لـ”هنا لبنان” أنّ “موجة الغلاء الحالية تعود إلى جملةٍ من العوامل المتشابكة. أوّلها التضخّم العالمي، يُضاف إليه تأثيرات التغيّر المناخي التي طالت المواد الأولية مثل الأرز والبنّ، فضلًا عن التطوّرات الجيوسياسية في المنطقة التي رفعت كلفة الشحن والتأمين، وأجبرت بعض السفن على تغيير مساراتها، ما انعكس مباشرة على الأسعار”.

وبحسب المدير العام، “شهدت بعض السلع داخليًا ارتفاعًا تراوح ما بين 5% و8%، نتيجة تراجع سعر الدولار مقابل اليورو، إذْ إنّ المنتجات المستوردة من أوروبا تُسعَّر بالدولار، ما جعل كلفتها النهائية أعلى. كما ارتفعت الكلفة التشغيلية، خصوصًا في قطاع الطاقة، ما انعكس بدوره على أسعار السلع في السوق. ويضاف إلى ذلك زيادة بعض الرسوم الجمركية، التي انتقلت تلقائيًا إلى المستهلك النهائي عبر رفع الأسعار”.

وأكد أبو حيدر أنّ “مديرية حماية المستهلك تواصل عملها، بانتظار إقرار تعديلات قانون حماية المستهلك في المجلس النيابي لتكون العقوبات أكثر ردعًا، إلى جانب الإسراع في تشكيل “هيئة المنافسة” التي يعمل عليها وزير الاقتصاد والتجارة، د. عامر بساط، لرفعها إلى مجلس الوزراء قريبًا، لأنّ المنافسة الحقيقية وحدها كفيلة بتصحيح الأسعار”.

وعلى الرَّغم من كل الوعود والخطط، تبقى الحقيقة المرّة أنّ الرواتب ما زالت متدنيّة إلى حدٍّ لا يواكِب بأي شكلٍ من الأشكال هذا التضخّم الهائل. معاش الموظف يتبخّر قبل أن يلامس جيبته، وكأنّه مجرد رقم يمرّ في الحساب ليغادر فورًا نحو فواتير الكهرباء والمياه والاشتراكات، بينما ما يتبقّى بالكاد يُغطّي بعض احتياجات الغذاء الأساسية. أمّا أي نفقات أخرى، من تعليمٍ وصحةٍ ونقلٍ، فقد تحوّلت إلى ترفٍ لا يجرؤ الكثيرون على التفكير فيه. وبينما تتقلّص القدرة الشرائية يومًا بعد يوم، يبقى المواطن وحيدًا ينتظر إصلاحًا طال انتظاره، أو معجزةً توقف نزيف جيبه.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us