لبنان بين الفيول الكويتي والفيل الإيراني

أتت ناقلة النفط الكويتية إلى المياه الإقليمية اللبنانية حاملة الفيول الذي سيتحول إلى نور الكهرباء الذي يشع في ظلام كل لبنان، ثم نقلت وسائل الإعلام تصريحات ساسة إيران لتؤكد أنّ نار الحروب التي أشعلها التدخل الإيراني في لبنان لن تسمح طهران بانطفائها. فهل من مفارقة أكثر من هذه المفارقة؟ علماً أنّ الفيول الكويتي هو حقيقة مادية، بينما الكلام الإيراني بمثابة “فيل يجري تطييره” كما يقال!
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
هبط النبأ الذي أعلنه المكتب الإعلامي لوزير الطاقة جو الصّدي في عطلة نهاية الأسبوع الماضي كبشارة خير ينتظرها لبنان في هذه الأيام المثقلة بأزمات الماضي القريب وترقبًا لكيفية عبور لبنان مرحلة تنفيذ القرار الحكومي المتخذ في 5 و7 آب الجاري لجهة حصرية السلاح بيد الدولة وحدها. وجاء في النبأ السعيد أنّه “رست في المياه الإقليمية اللبنانية أول ناقلة نفط من ضمن عرض دولة الكويت الذي ينص على تزويد لبنان بكمية 132 ألف طن متري من الغاز أويل لزوم إنتاج معامل مؤسسة كهرباء لبنان، على أن تكون 66 ألف طن منها هبة. ما يعني عمليًا أنّ الكمية المعروضة هي بنصف سعرها، وبطبيعة الحال أقل بكثير من أي سعر آخر قد يعرض.”
وطمأن الوزير الصّدي إلى “عدم تكبيد لبنان أي ديون إضافية وتحميل اللبنانيين المزيد من الأعباء المالية، إذ سيسدّد ثمن النفط الكويتي من جباية مؤسسة كهرباء لبنان”.
تكمن أهمية النبأ في أنه يمثل أول غيث عودة لبنان إلى العالم عموماً والعربي والخليجي خصوصاً. وأوضحت هذه العودة أنّ هذا العالم يمد يد العون إلى لبنان كافة وليس إلى فئة منه كما فعلت ولا تزال إيران التي لم ينل منها لبنان منذ أكثر من 40 عاماً سوى التدخلات التي جرّته إلى ويلات الحروب وآخرها حرب العام الماضي التي شنتها إسرائيل وتسببت بها ذراع إيران اللبنانية، “حزب الله”.
أتت ناقلة النفط الكويتية إلى المياه الإقليمية اللبنانية في وقت كان يعلن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني أنّ حرب بلاده ضد إسرائيل لم تنتهِ بعد، مشيراً إلى أن «جبهة المقاومة في العراق ولبنان ما زالت حية وقوية رغم الضغوط والحرب”.
وتطرق لاريجاني في المقابلة التي نُشرت بعنوان: “الإيرانيون لا يستسلمون… استراتيجية إيران هي دعم المقاومة”، فأكد أنّ “المقاومة في العراق ولبنان حية وقوية رغم الحرب، وأنّ إيران تعتبرها رصيداً استراتيجياً ثابتاً، وليست عبئاً، وستواصل دعمها لها دائماً”.
وقال: “نعم، نحن ساعدنا؛ نحن لا نكذب، نقول إننا ساعدنا، وسنستمر في المساعدة. إنّ التفكير في أنّ “حزب الله” أو قوى المقاومة عبء على إيران هو خطأ استراتيجي، لأنهم بحاجة إلى مساعدتنا، ونحن أيضاً يجب أن نستفيد من مساعدتهم؛ لأنّ خلق العزلة ليس في صالح الأمن القومي الإيراني”، على حدّ تعبيره.
أتت صراحة لاريجاني المفرطة بتأكيد تدخل إيران في لبنان عبر “حزب الله” غداة زيارة المسؤول الإيراني لبيروت حيث سمع وللمرة الأولى في تاريخ العلاقات بين لبنان والجمهورية الإسلامية التي أسسها الإمام الخميني عام 1979 موقفًا رسمياً لبنانياً يرفض تدخل إيران في شؤون لبنان الداخلية وفي مقدمها حقه في رفض امتلاك أي فئة غير الدولة اللبنانية السلاح.
تمتد ازدواجية السياسة الخارجية الإيرانية إلى أبعد من لبنان وتشمل العالم العربي والإسلامي على السواء. فتحت عنوان “وهم “إسرائيل الكبرى” خطر وجودي وتهديد للسلم والأمن الدوليين” كتب عباس عراقجي وزير الخارجية الإيرانية مقالاً نُشر أمس عشية الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية الدول الإسلامية في جدة. وجاء في المقال “إنّ التصريحات والإجراءات الأخيرة لرئيس وزراء هذا الكيان، في سياق تنفيذ المخطط التوسّعي والعدواني لما يُسمّى “إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات”، ليست مجرّد ادعاء عابر، بل هي إعلان صريح ومباشر عن سياسة واستراتيجية تهدف إلى انتهاك السيادة الوطنية، ووحدة الأراضي، وأمن الدول المستقلة في المنطقة، بما في ذلك سوريا والأردن ومصر ولبنان، بل وحتى الكويت والعراق والمملكة العربية السعودية”.
وقال: “الآن هو وقت الوحدة والتضامن، قولاً وفعلاً، في العالم الإسلامي، لاتخاذ قرارات حاسمة، وتعزيز التعاون والتنسيق الكامل لتنفيذها، بهدف إنقاذ أرواح المظلومين في غزة وحماية العالم الإسلامي”.
ظهر مقال عراقجي الذي نشر خارج إيران في وقت واحد مع مقال حمل عنوان “الخيانة لم تبق ماء وجه للمطبّعين” تصدّر صحيفة “كيهان” الناطقة بلسان حكام إيران. وجاء في المقال: “أعلن نتنياهو أثناء مقابلة تلفزيونية مع قناة 24 الإسرائيلية: “إنني في مهمة تاريخية وروحانية ومرتبط عاطفياً برؤية (إسرائيل الكبرى)”، فكان تصريحه بمثابة صفعة قوية على وجوه كل المطبعين المنبطحين الذين تشملهم صفة متآمرين وخونة. وكم هؤلاء الزعماء بحاجة للتذكير بمواقف لقادة عرب أمثالهم في الهوية ولكن يختلفون جوهراً ومنزلة. وهكذا كان خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم (في منتصف الشهر الجاري) ، والذي شكل موقفاً حازماً لاقى تأييد جمهور المقاومة. إنّ هذا الموقف من سماحة الشيخ أغاظ أميركا وإسرائيل والسعودية وكل من هو مرتبط بمشروع التطبيع ويتآمر على المقاومة وأهلها وسلاحها”.
أتت ناقلة النفط الكويتية إلى المياه الإقليمية اللبنانية حاملة الفيول الذي سيتحول إلى نور الكهرباء الذي يشع في ظلام كل لبنان. ثم نقلت وسائل الإعلام تصريحات ساسة إيران لتؤكد أنّ نار الحروب التي أشعلها التدخل الإيراني في لبنان لن تسمح طهران بانطفائها. فهل من مفارقة أكثر من هذه المفارقة؟ علماً أنّ الفيول الكويتي هو حقيقة مادية، بينما الكلام الإيراني وبعد هزائم محور إيران من لبنان إلى إيران نفسها منذ الخريف الماضي، يؤكد أنّ تصريحات جماعة إيران بمثابة “فيل يجري تطييره” كما يقال.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() عون حازم في قرار السلاح | ![]() حصرية بشارة السلام بيد الراعي | ![]() نيترات السلاح في عنبر الحكومة |