من حفظ السلام إلى صنع السلام: استحقاق اليونيفيل في لبنان


خاص 25 آب, 2025

لقد تخطى لبنان مرحلة “حفظ السلام” الشكلي، وبات بأمس الحاجة إلى “صنع السلام” الحقيقي. ذلك يتطلب شجاعة سياسية في المطالبة بدور فاعل لليونيفيل، وقراراً دولياً جريئاً يحوّل الجنوب من ساحة صراع مفتوح إلى مساحة أمان مستدام

كتب طوني كرم لـ”هنا لبنان”:

يدخل لبنان أسبوعاً مفصلياً يحسم خلاله مجلس الأمن الدولي مستقبل ومهام قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، المنتشرة في الجنوب منذ عام 1978 والموسَّعة بعد حرب تموز 2006 بموجب القرار 1701.

وعلى الرغم من مرور أكثر من أربعة عقود على وجودها، يبقى دور هذه القوات محل نقاش حاد: فهي لم تنجح في منع الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، ولم توقف تمدّد حزب الله وترسانته جنوب الليطاني، بل وجدت نفسها شاهدة على حروب مدمرة تورّط فيها لبنان، لا سيّما من حرب تموز 2006 وصولاً إلى تورّط حزب الله في مغامرة يحيى السنوار التي دمّرت غزة ولبنان منذ تشرين الأول 2023.

إخفاق حفظ السلام التقليدي

منذ انسحاب إسرائيل عام 2000، أثبتت التجربة أنّ مجرد وجود قوات مراقبة دولية غير كافٍ لضمان الاستقرار. فالوقائع على الأرض تؤكد أنّ اليونيفيل لم تتمكن من:

–        منع تكديس حزب الله لترسانة عسكرية هائلة جنوب الليطاني.

–        تجنّب توريط لبنان في حرب تموز 2006.

–        وقف الخروقات الإسرائيلية اليومية للسيادة اللبنانية برّاً وبحراً وجواً.

–        الحؤول دون انزلاق لبنان إلى “حرب الإسناد” المرتبطة بعملية “طوفان الأقصى” في غزة 2023.

وهذا ما يطرح السؤال الجوهري: هل لا يزال مجدياً الاكتفاء بدور “حفظ السلام” المُناط بـ “اليونيفيل”، أم أنّ المرحلة الراهنة تستوجب، بل تفرض، الانتقال إلى “صنع السلام” بما يحمله من مهام أكثر فعالية وإلزامية لخلق بيئة آمنة ومستقرة؟

من حفظ السلام إلى صنع السلام

يميّز منظّرو حل النزاعات بين ثلاث مراحل أساسية:

–        حفظ السلام – Peacekeeping: مراقبة وقف إطلاق النار والفصل بين الأطراف.

–        صنع السلام – Peacemaking: معالجة جذور النزاع، نزع السلاح، ودعم مؤسسات الدولة.

–        بناء السلام – Peacebuilding: إرساء قواعد تحول النزاع من مسار عسكري إلى مسار سياسي.

الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بطرس غالي لخّص الفكرة في “أجندة من أجل السلام” (1992)، مؤكداً أن الوقاية من النزاعات تقوم على منع اندلاع الحروب الجديدة واحتواء النزاعات القائمة. أما لجنة كارنيغي (1997) فقد حددت أهدافاً ثلاثة: منع نشوء العنف، منع تمدده، ومنع تكراره.

وبإسقاط هذه المبادئ على الحالة اللبنانية، يتّضح أن الاكتفاء بـ”احتواء” الخطر لم يعد كافياً، بل المطلوب صنع سلام حقيقي يعزز سلطة الدولة ويضع حداً لتفرد الميليشيات بقرار الحرب والسلم.

مسؤولية اليونيفيل تجاه الدولة والجيش

مع اقتراب موعد التمديد لليونيفيل، تبرز حاجة لبنان إلى قوة أممية تؤازر الجيش اللبناني في:

–        فرض السيادة على كامل الأراضي اللبنانية.

–        دعم عملية نزع سلاح الميليشيات، من الفصائل الفلسطينية داخل المخيمات إلى حزب الله.

–        خلق بيئة لتطبيق القرارات الدولية بين لبنان وإسرائيل تقوم على التزامات واضحة بوقف الاعتداءات والاغتيالات.

بهذا المعنى، تصبح الحدود الجنوبية ساحة استقرار حقيقي وفق منطق “مجتمع أمني تعددي”، حيث يغدو خيار الحرب غير مطروح.

دروس من التجارب الدولية

التجارب الأممية السابقة أظهرت أن بعثات حفظ السلام لا تنجح إلا إذا تطورت إلى أدوات لصنع السلام:

–        تجربة الأونيفي (UNEF) في أزمة السويس عام 1956 وضعت أسس فكرة القوة الدولية.

–        في موزمبيق والسلفادور وإيرلندا الشمالية، التجارب تثبت أنّ السلام المستدام لا يُبنى بمجرد نشر قوات مراقبة، بل عبر آليات نزع السلاح، إصلاح المؤسسات، والمفاوضات المستمرة برعاية دولية.

نحو سياسة لبنانية فاعلة

يبقى العامل الحاسم هو قدرة الدولة اللبنانية على استثمار فرصة التمديد لليونيفيل لطرح رؤية وطنية أمام مجلس الأمن، ترتكز على هدفين أساسيين:

–        تحويل مهمة القوات الدولية إلى رافعة لصنع السلام.

–        انتزاع التزام دولي بوقف الاعتداءات الإسرائيلية والضغط على تل أبيب للالتزام بالقرارات الأممية.

الأمر الذي يتطلب من الدبلوماسية اللبنانية الارتقاء من ثباتها العقيم وتصاريحها الدونكيشوتية، واتخاذ قرار واضح كفيل بفرض السلام والأمن وتجنيب لبنان ويلات وعنجهيات ما تبقّى من قادة حزب الله داخلياً، والأطماع الخارجية!

من دون ذلك، سيبقى لبنان أسير التوازنات الهشّة، فيما تتحول اليونيفيل إلى قوة “شاهدة على العجز” بدل أن تكون رافعة للاستقرار.

لقد تخطى لبنان مرحلة “حفظ السلام” الشكلي، وبات بأمس الحاجة إلى “صنع السلام” الحقيقي. ذلك يتطلب شجاعة سياسية في المطالبة بدور فاعل لليونيفيل، وقراراً دولياً جريئاً يحوّل الجنوب من ساحة صراع مفتوح إلى مساحة أمان مستدام.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us