“الحزب” يغتال براءة الأطفال بزراعة الكراهية في عقولهم…!

الفيديو الذي انتشر لأطفال من كشافة المهدي وهم يردّدون أنشودة تحريضيّة ضدّ رئيسي الجمهوريّة والحكومة، هو نتاج ثقافة ممنهجة من التعبئة السياسيّة الطائفيّة تغذيها جهات تعرف تماماً ماذا تفعل، وهو لا يفضح فقط أداء “الحزب” بل يفضح هشاشة الدولة، وعجز المجتمع، وانهيار منظومة القيم. فمن يسمح باستغلال الأطفال سياسياً ويصمت على هذا الاستغلال ويبرره، شريك في الجريمة
كتبت كارين القسيس لـ”هنا لبنان”:
لم يعد مستغرباً أن تُستثمر الطفولة في بيئة “حزب الله” وقوداً لصراعات الكبار، لكن أن تتحوّل الكشافة، التي يُفترض أن تكون ملاذاً للترفيه، إلى منبر تحريض، وأن تُلقن البراءة هتافات الكراهية، فهذه ليست مجرّد جريمة تربويّة، بل خطيئة وطنيّة بأبعاد كارثيّة، وربّما “إرهابية” على المدى الطويل.
الفيديو الذي انتشر الأسبوع الماضي لأطفال من كشافة الإمام المهدي وهم يردّدون بصوت جماعي حماسي أنشودة تحريضيّة ضدّ رئيس الجمهوريّة جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، لا يمكن اعتباره “سهواً”، بل نتاج ثقافة ممنهجة من التعبئة السياسيّة الطائفيّة، تغذيها جهات تعرف تماماً ماذا تفعل ولمن تفعل.
ففي الدول الطبيعيّة، تُعتبر مرحلة الطفولة مساحة مقدّسة للتربية على القيم، وللترفيه، وللتعليم، وللانفتاح، وزرع مفاهيم قبول الآخر، والتسامح، والمواطنة. أمّا في لبنان، فقد اختار “حزب الله” أن يجعل من الطفولة ساحة تدريب على الكراهية، تحت مسميات “كشافة” بعقلية الميليشيا.
وما رأيناه ليس أداءً عفوياً، بل مجموعة أطفال يُهيَّأون ليكونوا جنوداً في معركة ليست لهم، أي جنوداً في خدمة مشروع لا يفهمونه، لكنّه يعبئهم بالمصطلحات العدائية ويحولهم إلى أدوات دعائيّة تخدم جهة واحدة، تلك الجهة التي نصبت نفسها مرجعيّة فوق القانون، وفوق الدولة، وفوق كل ما هو مشترك بين اللبنانيين.
الخطير في هذه الواقعة ليس مضمون الأنشودة فقط، بل التوقيت والسياق. فنحنُ في بلد يترنّح تحت أثقال الانقسام والطائفيّة وانهيار الدولة، وبدل أن تكون الطفولة مظلة للعبور نحو مستقبل أفضل، نراها تُستثمر لتأجيج الانقسام، وبالتالي فإنّ الرسالة التي حملها الفيديو واضحة المعالم، “نحن خارج منطق الدولة، نخاطب مؤسساتها بعدائية، ونربي أبناءنا على أنّ الخصم ليس الاحتلال ولا الجهل ولا الفقر، بل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة”. فكيف يمكن لمجتمع أن ينهض إذا كان يربي أبنائه على أنّ الوطن نفسه العدو؟
نحن أمام مشروع منظّم!
لا يمكن النظر إلى هذه الظاهرة كحالة فرديّة أو تصرّف معزول، فنحن أمام مشروع منظم، ممتد، يتكرر عبر السنين، يبدأ من الأناشيد ولا ينتهي عند المسيرات والرايات والشعارات، مشروع يشكل بنية موازية لبنية الدولة، ويتسلّل إلى المدارس، وإلى البيوت، وإلى العقول.
لكن في خضم هذا المشهد المقلق، لا بدّ من التأكيد على أنّ الطائفة الشيعيّة لا تختزل بـ”حزب الله”، ولا يجوز التعامل مع هذه الممارسات وكأنّها تعبّر عن مجتمع بأكمله، فالكثير من أبناء هذه الطائفة، بمن فيهم أولئك الذين يسيرون على نهج الإمام موسى الصدر، يرفضون هذا النوع من التجييش والتعبئة السياسية، ويرون فيه خطراً على مستقبل أولادهم وعلى الكيان اللبناني نفسه. وقد أكد أحد المشايخ في حديث لـ”هنا لبنان” أنّ رغم تنامي الرفض داخل البيئة الشيعية حيال هذه الممارسات، إلاّ أنّ الترهيب الذي يتعرّض له المشايخ والناشطون يفرض عليهم الصمت أو التواري عن الأنظار، تفادياً للاستهداف والتخوين.
السكوت عن هذا النوع من الانتهاكات جريمة مضاعفة، وليس فقط تستراً على الاعتداء على الأطفال، بل شرعنة لنموذج خطير يفرّخ مستقبلاً لا يُبشّر إلاّ بالمزيد من الانقسام والدمار. والأهم أنّ من يزرع التحريض في عمر الطفولة، سيحصد لاحقاً التطرّف والعنف والولاء لغير الدولة، ومن يربّي الأطفال على أنّ العدو هو الداخل لا الخارج، يُمهّد لانفجار اجتماعي دائم.
ثمّ، من الذي يكتب هذه الكلمات؟ ومن يشرف على هذه التدريبات؟ ومن قرّر أنّ الطفولة تصلح للحرب النفسيّة؟ هل هؤلاء مربون؟ هل هؤلاء قادة كشفيون؟ أم مجرّد أدوات لتنفيذ أجندة إيران؟ وما موقف الأهالي الذين يقفون جانباً، يصفقون، أو على الأقل يصمتون أمام هذا التوجيه؟ أليس من حق هؤلاء الأطفال أن يعيشوا طفولتهم؟ أن يرقصوا على أنغام الحياة بدلاً من قرع الطبول السياسيّة؟
هذا الفيديو لا يفضح فقط أداء “حزب الله”، بل يفضح هشاشة الدولة، وعجز المجتمع، وانهيار منظومة القيم. فمن يسمح باستغلال الأطفال سياسياً، ويصمت على هذا الاستغلال، ويبرره، شريك في الجريمة. وإذا لم يُحاسب من أشرف على هذا المشهد، ولم تتحرّك وزارة التربية، أو وزارة الشؤون الاجتماعيّة، أو حتى القضاء، فنحن أمام انهيار أعمق بكثير من الاقتصاد والسياسة، فأسوأ من أن تُسرق أموال الدولة، هو أن تُسرق عقول أولادها.
في المحصلة، إذا كان لبنان لا يزال يرنو إلى مصير أفضل، فلا بدّ من وقفة جريئة وصريحة تضع حداً لهذا العبث الذي يُدمّر الجيل القادم قبل أن يبدأ، ويُعيد الطفولة إلى مكانها الطبيعي.