47 عاماً على تغييب الإمام الصدر: تغييب الدولة الوجه الآخر للجريمة!

نهج الإمام الصدر شدّد على أن الدولة هي الملجأ الوحيد لكل مكونات الشعب، وأن الطائفية هي علّة النظام السياسي ومصدر حروبه. ودعا إلى دولة عادلة وقوية، بجيش وطني يحمي الحدود ويصون الأرض، وإلى مساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات بعيداً عن العصبيات.. لكن ما يجري اليوم هو انقلاب كامل على هذه الأسس، فالحزب حوّل الطائفة الشيعية رهينة مشروع إقليمي لا يمتّ بصلة إلى الشريك “الشيعي اللبناني” وفكر الإمام المغيّب
كتب طوني كرم لـ”هنا لبنان”:
يحضر أكثر من أي وقت مضى في الذكرى السابعة والأربعين لتغييب الإمام موسى الصدر، السؤال الجوهري: هل يبقى لبنان أسير تغييب الإمام مرتين؟ الأولى بخطفه جسداً ومنع صوته من متابعة مسيرة الإصلاح، والثانية عبر تغييب نهجه والانقلاب على مشروعه القائم على الدولة القادرة والجامعة؟ فالإمام الصدر لم يكن رمزاً طائفياً ولا قائداً لفئة دون أخرى، بل إماماً ورجل دولة أراد للبنان أن يكون وطناً لجميع أبنائه، ينهض بمشروع العدالة والمواطنة والوحدة الوطنية.
نهج الإمام الصدر شدّد على أن الدولة هي الملجأ الوحيد لكل مكونات الشعب، وأن الطائفية هي علّة النظام السياسي ومصدر حروبه. دعا إلى دولة عادلة وقوية، بجيش وطني يحمي الحدود ويصون الأرض، وإلى مساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات بعيداً عن العصبيات.
لكن ما يجري اليوم هو انقلاب كامل على هذه الأسس: حزب الله، باسم “المقاومة”، يصرّ على تغييب الدولة وإبقائها عاجزة، ليحتكر السلاح وقرار الحرب والسلم، ويحوّل الطائفة الشيعية رهينة مشروع إقليمي، لا بل إيراني جهنّمي، لا يمتّ بصلة إلى الشريك “الشيعي اللبناني” وفكر الإمام المغيّب.
منذ ويلات الحرب الأهليّة والمشهد نفسه يتكرر. وحزب الله يمعن في تغييب الدولة وتشريد آلاف العائلات الشيعية وحرمانهم كما غالبيّة اللبنانيين من أبسط مقومات الحياة والاستقرار. لم يترك للجنوبيين ترف الهناء بالتحرير وإعادة الإعمار التي حرص الرئيس نبيه بري على إرساء أولى معالمها ورفد الغالي والرخيص لتعويم صناديق إعادة الإعمار في الجنوب منذ عام 2000 حتى تاريخه. لكن في مقابل كل مساعي الإعمار وتثبيت الدولة في الجنوب، لم يترك “حزب الله” وسيلة إلا واستخدمها لجلب الويلات على أبناء الإمام واللبنانيين.
ورّط لبنان في حرب تموز 2006، ولا تزال مفاعيل القرار الجهنمي لقيادة “حزب الله” في إسناد مغامرة السنوار في حرب 7 أكتوبر 2023، تجعل من لبنان ساحة لضربات إسرائيلية يومية تستهدف منشآت ومخازن السلاح في الجنوب والبقاع.
وأمام خنوع “حزب الله” واستسلامه وعدم قدرته على صدّ الاعتداءات الإسرائيلية بعد أن بنى “مشروعية” سلاحه الميليشيوي على التصدي لإسرائيل، يجد ما تبقّى من قادته، أن في الانقضاض على مشروع قيام الدولة مخرجاً لتحوير الأنظار عن عجزهم وإفلاس سرديتهم.
ولعلّ ما يجعل ذكرى هذا العام مختلفة في توقيتها ودلالاتها، أنها تحلّ بين قرارين حكوميين حازمين في وجه احتكار السلاح، وتحديداً سلاح حزب الله، مع استعداد الحكومة في 5 أيلول لمناقشة خطة الجيش لضبط المخازن الميليشيوية ضمن إطار زمني واضح، وهو ما يلقى رفضاً معلناً من الحزب.
الأمر الذي يفرض البناء على موقف الرئيس نبيه بري في ذكرى تغييب الإمام الصدر ورفيقيه أمس، ومناقشة مصير السلاح تحت سقف الدستور وخطاب القسم الرئاسي والبيان الوزاري، لا عبر الهروب إلى طاولات الحوار وتضييع الوقت.
الأخطر في هذه المناسبة، أن هذا النهج يُسوَّق من قبل أبواق “حزب الله” وكأنه امتداد لفكر الإمام المغيّب، فيما هو في الحقيقة نقيضه. فالإمام الصدر لم يطرح حماية الطائفة على حساب الدولة، بل اعتبر أن الطائفة تُحفظ فقط من خلال الدولة.
أما اليوم، فخطاب حزب الله، كما عبّر عنه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان ونائب الحزب حسين جشي بالقول إن “كلفة التمسك بالسلاح أقل من كلفة تسليمه”، يشكّل انقلاباً مباشراً على رؤية الإمام. فالسلاح خارج الدولة لا يحمي لبنان، بل يستدرج الحروب ويُضعف المؤسسات ويُبقي المواطنين محرومين من وطن فعلي.
إن التمسك بمشروع الإمام الصدر يعني أولاً الاعتراف بأن لا خلاص للبنان إلا من خلال تعزيز حضور الدولة واحتكارها للسلاح. فالدولة القوية هي التي توفر الحماية لجميع أبنائها، وتحقق العدالة، وتضمن كرامة المواطن أياً كان انتماؤه. أما مشروع “حزب الله” الميليشيوي فمصيره واحد: استدراج العدوان وتدمير الوطن.
في حضرة الإمام المغيّب، تصبح الدعوة واضحة: لم يعد مسموحاً الاستمرار في تغييب الدولة. لم يعد مقبولاً استخدام السلاح لتبرير تهميش المؤسسات وتقويض الشرعية. آن الأوان للبنانيين، وفي مقدمتهم أبناء الإمام، أن يتعظوا من أثمان الماضي وأن يتجهوا إلى خيار السلام الحقيقي.. سلام الدولة القادرة، الجامعة، العادلة.. لا إحتلال الوصاية الميليشيوية الإيرانيّة. ففي غياب الدولة، يُغتال الإمام كل يوم من جديد.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() من حفظ السلام إلى صنع السلام: استحقاق اليونيفيل في لبنان | ![]() لبنان دولة لا ضاحية! | ![]() تفجير المرفأ وسلاح “الحزب”… وجهان لاغتيال الدولة! |