بعد وعود التعويضات… “البيئة الحاضنة” تُحاسب “الحزب”: لا مال بعد اليوم!


خاص 2 أيلول, 2025

بعد أشهر من تلقي آلاف العائلات لتعويضات مالية ساعدتها على لملمة جزء من خسائرها، عاد القلق ليخيم على الأجواء بسبب خبر بدأ يتداول بين الناس: لا دفعة ثانية بعد انتهاء المهلة المحددة بسنة. ورغم أنّ الاتفاق الأصلي تضمّن وعداً واضحاً بدفعة ثانية بعد انتهاء السنة، فإن هذا الوعد قد لا يُنفّذ.

كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:

تتغير لهجة الشارع اليوم داخل بيئة حزب الله، لا بفعل خصومة سياسية أو هجوم إعلامي خارجي، بل تحت ضغط واقع معيشي خانق كشف حدود الدعم الذي قدمه الحزب للمتضررين من الحرب الأخيرة.

فبعد أشهر من تلقي آلاف العائلات لتعويضات مالية ساعدتها على لملمة جزء من خسائرها، عاد القلق ليخيم على الأجواء. السبب؟ خبر واضح بدأ يتداول بين الناس: لا دفعة ثانية بعد انتهاء المهلة المحددة بسنة.

أرقام الدعم: 12 إلى 14 ألف دولار لكل عائلة

خلال الأشهر الأولى التي تلت الحرب، أعلن حزب الله عن تقديم تعويضات مالية للمنازل المدمّرة كلياً. الدعم جاء سريعاً، وسُوّق له على أنه سخاء استثنائي في ظل أزمة اقتصادية خانقة.

التوزيع كان كالتالي: 8000 دولار كبدل أثاث وإصلاح أولي، 6000 دولار كبدل إيجار للمتضررين في بيروت والضاحية الجنوبية، 4000 دولار للمتضررين في الجنوب والبقاع والمناطق الأخرى.أي أن إجمالي ما حصل عليه المتضررون بلغ: 14 ألف دولار في بيروت والضاحية و12 ألف دولار في سائر المناطق.

لكن هذه الأرقام لم تكن سوى دعم مؤقت لمدة سنة واحدة. ورغم أن الاتفاق الأصلي تضمّن وعداً واضحاً بدفعة ثانية بعد انتهاء السنة، فإن هذا الوعد قد لا يُنفّذ. وقد اعتمد كثيرون على هذا الاحتمال في تنظيم معيشتهم، ما زاد الصدمة حين بدأ يتسرّب إلى الأهالي أن الدعم لن يُستكمل.

من الوعود إلى الخيبة: غضب صامت في الشارع

قبل أشهر قليلة من نهاية المهلة، بدأت الأخبار تصل بصيغة غير رسمية: “ما في دفعة تانية”. وتدريجياً، تحوّل الصمت إلى همس، والهمس إلى تململ واضح في القاعدة الاجتماعية الأوسع للحزب.

في الضاحية الجنوبية، حيث تتكدّس الإيجارات وتضيق الخيارات، تتكثّف الأصوات المعترضة.

يقول أبو حسن، رب أسرة من سكان برج البراجنة، خسر منزله كليًا “:كنا نظن أن الدعم سيتجدّد على الأقل لتأمين الإيجار. اليوم أعيش مع عائلتي في شقة بالكاد تتّسع لنا، والإيجار 500 دولار شهرياً،المبلغ الذي حصلنا عليه انتهى… والوعود أيضاً”.

وفي حارة حريك، تصف أم مهدي، وهي أم لخمسة أطفال، الواقع بمرارة: “قالوا لنا إن التعويض يكفي لسنة… لكن هل تنتهي المعاناة بعد سنة؟ نحن لا نطلب أكثر من سكن كريم وأمان بسيط.”

أما حسن، شاب يعمل في محل للمواد الغذائية في منطقة الجاموس، فيقول بتردّد: “لا نريد صداماً مع أحد، لكن نحتاج إجابة واضحة: هل كتب علينا أن نخسر بيوتنا مرتين؟ مرة تحت القصف، ومرة بسبب العجز عن دفع الإيجار؟”.

في كل زاوية من الضاحية، يتكرّر المشهد ذاته: غضب مكتوم، وأسئلة مؤجلة، وحسرة من صمت الحزب.

في مناطق الجنوب والبقاع، حيث لم يحصل المتضررون إلا على 12 ألف دولار، تعتبر فئة كبيرة من الناس أن مبلغ 4000 دولار بدل إيجار لسنة كاملة “مجحف جدًا”، خصوصًا مع تضخّم الأسعار.

ويقول عباس من إحدى بلدات الجنوب: “نحن أبناء بيئة حزب الله. وقفنا معه في كل المحطات. لكن اليوم لم نعد قادرين على الاستمرار… لا شغل، لا بيت، ولا حتى وعود نتمسّك بها.”

ويضيف: “كنا نعتقد أن هناك مرحلة ثانية من التعويض. اليوم يقال لنا أن لا تعويض اضافي بعد انقضاء السنة. لا تفسير، ولا حتى إعلان رسمي.”

أسئلة صعبة… وصمت سياسي

رغم أنّ الاعتراضات لم تتحوّل إلى تحرّك شعبي واسع، إلا أن النقمة تتصاعد ببطء وثبات. في الشارع، لم تعد الأسئلة خجولة:

لماذا حصل بعض المتضررين على 14 ألف دولار وآخرون على 12؟من سيتحمّل تكلفة الإيجار بعد انتهاء المهلة؟من يعوّض للناس خسارتهم؟ ومتى يصبح للكرامة حساب في دفتر السياسة؟.

يرى مراقبون أن حزب الله، الذي يواجه أزمات مالية متراكمة بفعل العقوبات الأميركية وتراجع التمويل الإيراني، بات غير قادر على تحمّل أعباء الإعمار أو تقديم دعم مستدام، خصوصاً مع انشغاله بجبهات خارجية مرهقة.

وبحسب محللين، فإنّ ما يحصل اليوم ليس فقط توقفًا للدعم، بل انكشاف تدريجي للبنية المالية التي كانت تتحمّل الأزمات سابقاً. ومع الغياب الواضح لأي خطة بديلة، يبدو أن الأمور تتّجه إلى مزيد من الاحتقان الداخلي.

أزمة ثقة أم نهاية رصيد اجتماعي؟

اليوم، ومع اقتراب انتهاء المهلة المحددة للسنة، يتبيّن أن المشكلة أكبر من دفعة مالية. إنها أزمة ثقة داخل البيئة الحاضنة، وأزمة أولويات بين “المقاومة” و”المعيشة”.

وما يبدو أخطر من الأزمة نفسها، هو أن الاحتقان صامت… لكنه يتمدد. فهل يستجيب حزب الله لصوت شارعه؟ أم أن “دفعة الـ14 ألف دولار” ستكون آخر ما تبقّى من رصيده الشعبي في الداخل؟.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us