جلسة الجمعة الحاسمة: الحكومة اللبنانية تناقش خطة “حصر السلاح” في بعبدا

استقرار الوضع الأمني وانتهاء ازدواجية السلاح يُشكّلان شرطًا رئيسيًا لعودة السياحة الخليجية واستقطاب الاستثمارات، ما يجعل من جلسة الجمعة ليس فقط محطةً أمنيةً، بل مدخلًا لإنعاش الاقتصاد المأزوم وإعادة الثقة الدولية بالدولة اللبنانية.
كتب جو أندره رحال لـ”هنا لبنان”:
يتّجه مجلس الوزراء اللبناني بعد ظهر الجمعة 5 أيلول 2025 إلى القصر الجمهوري في بعبدا لعقد جلسة استثنائية بجدول أعمالٍ وحيد هو مناقشة وعرض خطة الجيش اللبناني لتكريس حصرية السلاح بيد الدولة. وقد ثُبّت موعد الجلسة الساعة الثالثة بعد الظهر، في خطوةٍ تؤكد جدّية الحكومة بتنفيذ القرار التاريخي الذي اتخذته في 5 آب الماضي بتكليف الجيش وضع خطةٍ تطبيقيةٍ تُنجَز قبل نهاية العام، وهو قرار وُصفَ بأنّه الأكثر جرأةً منذ اتفاق الطائف لما يحمله من أبعاد سياسية وأمنية داخلية وخارجية. وجاء القرار في سياق تصعيد حدودي جنوبي مُتزامن مع تجديد ولاية قوات “اليونيفيل”، وما رافق ذلك من ضغوطٍ دوليةٍ لإعادة تثبيت سيادة الدولة اللبنانية. وقد لاقى هذا المسار ترحيبًا عربيًا ودوليًا، بينما اعتبره حزب الله “خطيئةً كبرى” وأبدى تحفّظات على طريقة الطرح، لكنّ الموقف الحكومي ظلّ ثابتًا على قاعدة أنّه لا دولة تُبنى بوجود دويْلة، وأنّ الجيش هو الضامن الوحيد للأمن.
الجلسة المرتقبة تُعقد في ظلّ حضور وزاري كامل، بمَن في ذلك ممثلو “أمل” و”حزب الله”، وسط مساعٍ يقودها رئيس مجلس النواب نبيه برّي لتأمين غطاء توافقي يمنع انفجار الخلاف داخل المجلس. وعلى الرّغم من وجود مخاوف لدى المعارضة من إمكانية “تمييع” القرار أو ربطه بتسويات لاحقة، تُشير الأوساط السياسية إلى أنّ صياغة متوازنة ستُعتمد لتكريس مبدأ الحصرية مع الحفاظ على الاستقرار الداخلي. وفي هذا السّياق، يتردّد أنّ مداخلات الوزراء ستتركّز على الضمانات التنفيذية وآليات المتابعة، أكثر مما ستنخرط في جدلٍ حول المبدأ الذي أصبح مُحصّنًا داخليًا وعربيًا ودوليًا.
على المستوى العملي، يستعدّ قائد الجيش العماد رودولف هيكل، المعيَّن في آذار 2025، لعرض خريطة طريق تنفيذية تتدرّج حتّى نهاية العام وتشمل ضبط السلاح في المخيمات والمناطق الحساسة، إقفال منافذ التهريب وتشديد الرقابة على الحدود، وصولًا إلى ترتيبات أمنية جنوبًا تتزامن مع انسحاب “اليونيفيل” المُبرمج بموجب القرار الدولي 2790 حتّى كانون الأول 2026. الخطّة ستتضمن جدولًا زمنيًا واضحًا، مع لجنة وزارية – عسكرية للإشراف على التنفيذ وتقديم تقارير دورية إلى مجلس الوزراء، بِما يضمن الشفافية والمتابعة العملية.
أهمّية هذه الجلسة تتعزّز بوجود غطاء دولي وعربي صريح. فمجلس الأمن مدّد ولاية “اليونيفيل” للمرة الأخيرة حتى نهاية 2026، ما يضع لبنان أمام مسؤولية بسط سلطته الأمنية كاملة على أراضيه. وفي موازاة ذلك، رحّب “مجلس التعاون الخليجي” رسميًا بقرار الحكومة اللبنانية حول حصر السلاح، معتبرًا أنّ تنفيذه يُعيد الاعتبار إلى اتفاق الطائف وقرارات الشرعية الدولية. كما تظلّ “ورقة توم باراك” الأميركية حاضرةً كمرجعٍ في النقاشات حول الضمانات المتبادلة، وإنْ كان الوزراء يؤكّدون أنّ ما سيُعرض الجمعة هو خطة لبنانية بحتة لا استنساخ فيها لأي مقترح خارجي.
إلى جانب البُعد الأمني، يبرز البعد الاقتصادي كعاملٍ أساسيّ. فالدول المانحة ربطت بشكلٍ غير مباشرٍ بين تنفيذ الإصلاحات الأمنية والسياسية وبين دعم لبنان ماليًا عبر قنوات “صندوق النقد الدولي” و”البنك الدولي”. كما أنّ استقرار الوضع الأمني وانتهاء ازدواجية السلاح يُشكّلان شرطًا رئيسيًا لعودة السياحة الخليجية واستقطاب الاستثمارات، ما يجعل من جلسة الجمعة ليس فقط محطةً أمنيةً، بل مدخلًا لإنعاش الاقتصاد المأزوم وإعادة الثقة الدولية بالدولة اللبنانية.
هكذا، تتحوّل جلسة الجمعة إلى اختبار جدّية لبنان في الانتقال من القرارات إلى التنفيذ، تحت سقف القرارَيْن 1701 و2790، وبغطاءٍ عربيّ ودوليّ يُراقب ويَدعم. النجاح سيُقاس بقدرة الحكومة والجيش على إقرار جدول زمني واضح وآلية متابعة شفّافة، وبمدى تماسك التسوية السياسية التي تمنع تطيير القرار أو تحويره. أمّا المعيار الحاسم، فسيبقى في قدرة الدولة على بسط سلطتها سلميًا على كامل أراضيها، وإنهاء ازدواجية السلاح بما يعيد الاعتبار إلى الدولة كمرجعيةٍ وحيدةٍ للأمن والسيادة، والسؤال المفتوح: هل ينجح لبنان هذه المرّة في كسر الحلقة المفرغة والعبور نحو دولة مكتملة السيادة؟.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() “الموقوفون والكبتاغون على الطاولة”: وفد سوري في بيروت الخميس لحسم ملفات الحدود | ![]() عون – باراك: خطوة لبنانية جريئة… والكرة في ملعب إسرائيل | ![]() جولة لاريجاني… قراءة إيرانية للمشهد اللبناني |