لا مسافة بين القرار والتنفيذ

العين الأميركية لا تكتفي بالمراقبة، بل تتابعُ بدقّةٍ كل تفصيل. وكذلك العواصم العربية التي لن تغفر أي تلاعب أو تسويف. لبنان بات تحت المجهر، ولا مخرج إلّا بالجدّية والتنفيذ.
كتب أسعد بشارة لـ”هنا لبنان”:
قرار الحكومة في 7 آب ليس ورقة تفاوضية ولا جملة عابرة في بيان وزاري. هو لحظة مفصلية ستحدّد إن كان لبنان دولة تملك قرارًا سياديًا أم مجرّد ساحة تسقط عند أول هزّة. لكنّ هذا القرار لن يصبح تاريخيًا إذا ما تردّدت الحكومة أو خضعت للابتزاز في جلسة 5 أيلول. أي محاولة للمماطلة أو التراجع تعني أنّ السلطة خانت مسؤولياتها وارتهنت مجدّدًا لمنطق التعطيل.
منذ لحظة صدور القرار، بدأ البعض البحث عن ذرائع للهروب من التنفيذ. المدرسة اللبنانية القديمة التي تفصل بين مبدئية القرار وصعوبة التطبيق ليست سوى فذلكة مكشوفة. واشنطن والعواصم العربية قالتها بوضوح: لم يعد مقبولًا التذاكي أو شراء الوقت. إمّا تنفيذ كامل وفوري، وإمّا مواجهة عزلة أشدّ وواقع اقتصادي وسياسي أكثر قسوةً.
في المقلب الآخر، أراد نبيه بري من دعوته إلى الحوار أن ينسف مفاعيل جلسة 7 آب. الحوار هنا ليس سعيًا إلى التوافق، بل محاولة وقحة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. بري يقدّم نفسه من جديد كحارس مصالح حزب الله، لا كرئيسٍ للمجلس النيابي. المطلب الحقيقي للحزب هو تجميد نتائج الجلسة والتراجع عنها، أي العودة إلى المربّع الأول حيث السلاح فوق الدولة والقرارات خاضعة للفيتو.
لكنّ رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام لم ينكفئا. تمسّكهما بالقرار يوجّه رسالةً صارخةً بأنّ زمن الاستسلام انتهى. صحيح أنّهما يتعاملان مع الواقع بحذر، عبر إطفاء بعض المحرّكات لاستيعاب الصدمة، لكنّ جوهر الموقف ثابت: لا تراجع. التنفيذ قد يكون متدرّجًا، لكنّه حتمي. وأي محاولة لإبطاله ستصطدم بجدار منسجم وصلب بين الرئاستَيْن الأولى والثالثة.
هذا الانسجام بين عون وسلام هو الكابوس الحقيقي لمَن يريدون الإطاحة بقرار 7 آب. فهم راهنوا على انقسام الرئاستَيْن لإعادة خلط الأوراق، لكنّ التناغم بين الرجلَيْن جعل الانقلاب على القرار مهمةً مستحيلةً. من يجرؤ اليوم على تحدّي هذه المعادلة سيجد نفسه في مواجهة مباشرة مع الداخل والخارج على السواء.
العين الأميركية لا تكتفي بالمراقبة، بل تتابعُ بدقّةٍ كل تفصيل. وكذلك العواصم العربية التي لن تغفر أي تلاعب أو تسويف. لبنان بات تحت المجهر، ولا مخرج إلّا بالجدّية والتنفيذ.
باختصار: لا مسافة بين القرار والتنفيذ. ومن يتوهّم أنّه قادر على اللعب بالوقت، إنّما يغامر بسمعة لبنان وبمصيره. السقوط في جلسة 5 أيلول يعني أنّ البلاد عادت إلى قبضة المُعطّلين، أمّا الصمود فيعني بداية نهاية مرحلة الوصاية على القرار الوطني.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() تصميم أميركي على إنجاز المهمة | ![]() إلى التنفيذ دُرْ… | ![]() شجاعة القرار! |