لبنان بين الأسرلة والأيرنة‎


خاص 4 أيلول, 2025

تتقاطع مصالح إسرائيل وإيران على إفشال تنفيذ خطة الجيش المنتظرة لأنّ وجود كلٍ منهما على أرض لبنان يبرر وجود الآخر أيضاً. والمتضرر الوحيد، إضافة إلى الشعب اللبناني الذي لا قرار له في هذه المتاهة، هو منظومة السلطة اللبنانية لأنها ورثت من حقبة حلف الأقليات مسؤولية الإشراف على تنفيذ إتفاق وقف لإطلاق نار حرب لم تكن شريكة فيها

كتب محمد سلام لـ”هنا لبنان”:

ينهمك العرّافون الذين يتعاطون التنجيم السياسي في الإجابة عن رزمة تساؤلات تدور كلها حول موضوع واحد: هل ستنجح أم ستفشل الحكومة اللبنانية في تنفيذ خطة الجيش المنتظرة لحصر سلاح ميليشيات محور الممانعة بيد الدولة؟

الجميع يتناسون حقيقة أنّ إسرائيل وإيران، تتقاطع مصالحهما على إفشال التنفيذ لأنّ وجود كلٍ منهما على أرض لبنان يبرره وجود الآخر على أرض لبنان أيضاً.

المتضرر الوحيد، إضافة إلى الشعب اللبناني الذي لا قرار له في هذه المتاهة، هو منظومة السلطة اللبنانية لأنها ورثت من حقبة حلف الأقليات مسؤولية الإشراف على تنفيذ إتفاق وقف لإطلاق نار حرب لم تكن شريكة فيها ولا تمون على محور أي من إسرائيل وإيران اللذين تتلاقى مصالحهما من دون أن يجمعهما تحالف أو صداقة.

في حقبة حكم الأقليات الذي ساد لنصف قرن قبل تمزق شراعه بسقوط التحالف الأسدي-الفارسي في سوريا منذ تسعة أشهر، كانت المنظومات اللبنانية الحاكمة تُكلَّف من قبل قيادات دمشق وطهران بمهام لتنفذها نظرياً وتعطلها واقعياً، وآخرها كان تكليف حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي الإشراف على إتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني الماضي ليتهاوى مع سقوط نظام بشار الأسد وهروبه بعد عشرة أيام ما أتاح انتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيساً لجمهورية لبنان وأنهى شغوراً في رئاسة الجمهورية لأكثر من عامين تبعه بعد شهر وأسبوع تكليف القاضي الدولي نواف سلام بتأليف حكومة جديدة من خارج نسق الحكومات السابقة، لكن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعد في حقبة الرئيس ميقاتي بقي سارياً، وتتحمل الحكومة الحالية تبعاته، وأحدثها، لا آخرها، محاولة ترقيع توافق على تنفيذ خطة الجيش اللبناني لحصر سلاح الفصائل الموالية لإيران بيد السلطة اللبنانية، وهو ما “يرفضه” حزب الله ويصرّ على الإحتفاظ بسلاحه طالما بقيت إسرائيل موجودة في التلال الخمس في جنوب لبنان إضافة إلى مزارع شبعا، كما “ترفضه” إسرائيل أيضاً طالما احتفظ المحور المتأيرن بسلاحه الذي تعتبر أنه يهدد سلامة سكان مستوطناتها الشمالية.

تقاطع “الرفضين” يكشف أبعاد “العلاقة الجدلية العكسية” Inverse dialectical relationship بين محوري تل أبيب وقم اللذين لا تربطهما أي معاهدة أو علاقة صداقة.

الخطة التي طُلِبَ من الجيش إعدادها لتنفيذ مسألة حصر السلاح بيد الدولة من المقرر أن تعرض على إجتماع الحكومة برئاسة الرئيس عون ومشاركة الرئيس سلام يوم الجمعة وسط أجواء ملبدة بين المحور المتحالف مع إيران والسياديين اللبنانيين .

ما يعرف بـ “الثنائي الشيعي” الذي يجمع بين حزب الله وحركة أمل برئاسة رئيس المجلس النيابي نبيه بري يريد فتح حوار لمناقشة تفصيلية للخطة، لا اتخاذ قرار بشأنها، في محاولة واضحة لإدخال معادلة حصر السلاح بيد الدولة في نفق لا نهاية له على أمل أن تموت في الأدراج، وهو ما درج اعتماده في حقبة العهد الأسدي-الفارسي البائد الذي كان يدير شؤون لبنان، والذي كان مصير رافضيه القتل. أسطع مثال على ذلك كان اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري تفجيرًا في 14 شباط العام 2005.

السياديون الذين يحظون بتأييد دولي أنغلوفوني وعربي يفضلون الإقتراع لإقرار الخطة من دون أن يعني موقفهم رفض الحوار مع الطرف الآخر وهو ما حاول المكتب السياسي لحزب الكتائب توضيحه باتخاذه قراراً يؤكد على أنّ الحزب “يرحّب بأي دعوة إلى الحوار لكن بعد حصر السلاح بالدولة اللبنانية، بحيث يصبح (الحوار) عندها خطوة طبيعية نحو إعادة بناء الوطن وتثبيت مرتكزات الدولة وسيادتها.”

الثنائي الشيعي، وفق مصادر مطلعة على مواقفه وقراراته، رفع إمكانية المواجهة السياسية إلى بداية جلسة يوم الجمعة بحيث أنّ أوساطه أبلغت أوساط الحكومة أن الوزراء الشيعة سيطلبون الإتصال بقياداتهم لتقرير ما إذا كانوا سيستمرون في المشاركة أو يقاطعون الجلسة إذا بدأ الإجتماع بمحاولة طرح خطة الجيش على الإقتراع بدلاً من مناقشة مضمونها.

وتوضح المصادر أنّ المحور الإيراني يريد التأكيد من بداية الجلسة على أنه يرفض مناقشة خطة تنفيذ حصر السلاح إذا كانت مرتبطة بجدولٍ زمنيٍ.

الحزب، وفق أحد المصادر، يريد التأكد من البداية أنه “يتحكم بمسار خطة الجيش تفادياً لإمكانية تبنيها بل يفضل أن يحيلها إلى نقاش مفتوح لا سقف زمنياً له.”

لماذا يرفض الحزب السقف الزمني لخطة تنفيذ حصر السلاح بيد الدولة؟؟

لأنه يعتقد أنّ الأميركيين يريدون ربط الحكومة اللبنانية بموعد للتنفيذ، كي يلزموها بإعلان فشل التنفيذ إذا تخلفت عن الموعد المحدد، ما يفتح الباب أمام “موجة ردود عقابية عنيفة على المحور الإيراني على امتداد مساحة لبنان.”

وفي السياق يذكر أنّ المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس ستزور لبنان خلال عطلة الأسبوع بمرافقة قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي الجنرال مايكل أريك كوريللا في مهمة وصفت بأنها ذات طابع “أمني-عسكري” تشمل قائد الجيش اللبناني وقيادات أجهزة أمنية إضافة إلى أعضاء اللجنة الخماسية المكلفة مراقبة وقف إطلاق النار الموقّع في 27 تشرين الثاني الماضي لتحديد “خروقاته وتعثّراته” إضافة إلى متابعة قدرة دوريات اليونيفل على ممارسة مهامها بحريّة من دون اعتداءات عليها من قبل أتباع لحزب الله متنكرين بألبسة مدنية.

وبدا لافتاً أنّ الجنرال كوريللا هو ضابط في سلاح البحر الأميركي وقد خدم على حاملات طائرات وزوارق صواريخ في الشرق الأوسط وساهم في التصدي لعدة إعتداءات.

وكان كوريللا قد قام بجولة في الشرق الأوسط من 1 إلى 5 نيسان الماضي إجتمع خلالها إلى القيادات العسكرية في إسرائيل، الأردن، قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة لتحديث إطلاعه على تفاصيل الأوضاع في المنطقة لجهة التعامل مع تهديدات إيران وأذرعها.

زيارة كوريللا المرتقبة إلى بيروت ستكون بمثابة إتمام المعلومات حول خارطة النزاع بين دول البحرين الإثنين، الأبيض والأحمر، المدعومة أميركياً، من جهة، وإيران وأذرعها، من جهة أخرى، إضافة إلى تحديث ملف المعلومات حول ثلاث قمم إستراتيجية في لبنان هي: قمة جبل الشيخ البالغ إرتفاعها 2،814 متراً وهي أعلى قمة على الشاطئ الشرقي للمتوسط، وقمة جبل الباروك التي ترتفع 2222 متراً عن سطح البحر وقمة القرنة السوداء التي يبلغ إرتفاعها 3،088 متراً عن سطح البحر والتي يقال أنها تكشف تفاصيل المتوسط الأوروبي والمتوسط الأفريقي .

يقال أن إسرائيل تعرض مقايضة مناطق لبنانية ما زال جيشها متواجداً فيها لقاء تنازل لبنان عن قمة جبل الشيخ وهو ما يتم تداوله همساً في إجتماعات ضيقة.

أما قمتا الباروك والقرنة السوداء فتحافظان على أهمية خاصة في عمليات التنصت “على المستوى السطحي” وهو ما لا تؤمنه الأقمار الاصطناعية بفعالية نظراً للتشويش الناتج عن تداخل ذبذبات آلاف الموجات والضجيج الناتج عن الإنبعاثات السطحية المتأتية من الكثافة السكانية ما يخلط الضجيج بالإتصالات.

في زحمة التراكمات التي سلف ذكرها يبقى لبنان تائهاً بين الأسرلة والأيرنة، فإلى أين المفر؟؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us