اسحبوا أيديكم.. وليتحمل “الحزب” مسؤولية توقيعه!

الدولة اللبنانية كانت في غنى عن الإرباك الذي تعانيه، لو كانت أكثر حكمة، لأن لا علاقة لها أساساً لا بالحرب ولا باتفاق وقف النار. الحرب دارت حصراً بين إسرائيل و”الحزب”، وكذلك الاتفاق الذي أقر “الحزب” بكل مضامينه، وأهمها حرفياً “نزع السلاح”. ولكن، بطريقة خبيثة أزيحت يومذاك عن كاهله مسؤولية الحرب، ورُميت على عاتق الحكومة والجيش، ما منحه فرصة المزايدة مجدداً على الدولة
كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:
قبل ساعات من جلسة الحسم، لا أحد يُنكر حجم الهواجس. فالبلد يبدو على فوهة بركان قد ينفجر في أي لحظة، إذا اعتمد “حزب الله” مقولة “علَيَّ وعلى أعدائي”. فهو قد يزعزع الاستقرار الداخلي سياسياً وأمنياً، للتهرب من نزع السلاح، ولكنه أيضاً قد يعيد الحرب مع إسرائيل لهذه الغاية.
الدولة اللبنانية كانت في غنى عن الإرباك الذي تعانيه، لو كانت أكثر حكمة، لأن لا علاقة لها أساساً لا بالحرب ولا باتفاق وقف النار. الحرب دارت حصراً بين إسرائيل و”الحزب”، وكذلك الاتفاق الذي أقر “الحزب” بكل مضامينه، وأهمها حرفياً “نزع السلاح”. ولكن، بطريقة خبيثة أزيحت يومذاك عن كاهله مسؤولية الحرب، ورُميت على عاتق الحكومة والجيش، ما منحه فرصة المزايدة مجدداً على الدولة. وبعدما وافق على كل التنازلات، تحت وطأة الضربات الإسرائيلية والدمار، جلس اليوم يفرض شروطاً تعجيزية على الدولة ويقول لأركانها: أنتم ضعفاء أمام إسرائيل، وتنفذون أهدافها. وتنصل من التزاماته. وهذا ما وضع البلد على فوهة بركان قد ينفجر، إما داخلياً وإما مع إسرائيل. وبدا مستعداً لمواجهة في أي اتجاه كان، ربما دموية.
ولكن، في الجانب المقابل، الضغط قوي جداً. فالولايات المتحدة تريد إظهار انخراطها في مسألة السلاح مباشرة، وأعلنت سابقاً أنها ستواكب عملية نزعه ميدانياً ومن خلال فريق عسكري أميركي. وهي في صدد إرسال مورغان أورتاغوس إلى لبنان، ومعها قائد المنطقة الوسطى، لشد عزيمة الحكومة والجيش، كي يمضيا في التنفيذ متجاوزين المطبات. والمغزى السياسي للتدخل الأميركي هو أن طبيعة المواجهة باتت إقليمية ودولية، وفيها وضعت واشنطن نفسها في مواجهة مباشرة مع “حزب الله”، وإيران من ورائه.
قد يتجنب “الحزب” مواجهة الداخل، لأنها محرقة للجميع، ويشعل الوضع على الحدود مع إسرائيل لتشتيت الانتباه وإفشال الخطة. لكن هذا السيناريو قد يفتح الباب أمام حرب جديدة مدمرة، ويوقع لبنان في الفوضى.
ولكن، في اللحظة الأخيرة، ما زال هناك خيار استراتيجي آخر يمكن للحكومة اللبنانية أن تتبناه، فتنقذ البلد من مأزقه الداخلي. إنه انسحابها من واجهة الصراع ودفع “حزب الله” إلى تحمل مسؤولياته والوفاء بالتزاماته. ففي هذه الحال، تنزع ذرائع الفتنة.
ويمكن للحكومة أن تبرّر خيار انسحابها من الواجهة بإبعاد الجيش عن توترات الداخل وتجنب الصراع بين الطوائف الذي بدأ يتخذ طابع “الحياة أو الموت”. وفي الوقت عينه، ترمي الدولة بالمسؤولية على صاحب العلاقة، أي “حزب الله” الذي التزم تنفيذ الاتفاق.
إذا رفض “الحزب” التزام مندرجات اتفاق تشرين، فسيكون في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل التي عبرت قبل أيام عن “فهمها الخاص” لتنفيذ الاتفاق، وجوهره أن نزع السلاح بالكامل هو الخطوة أولى ومبدئية، عليها يمكن التأسيس لأي خطوة مقابلة. وهذه القراءة للاتفاق قطعت الطريق على أي تفكير من جانب “الحزب” في اللعب على المهل والمراحل. أي إنه سيتحمل وحده مسؤولية أي تصعيد أو حرب جديدة، ويجبره على الوفاء بالتزاماته، وفي مقدمها تسليم السلاح إلى الجيش.
“الروزنامة” الأسلم هي أن يبادر “الحزب” طوعاً إلى تسليم سلاحه، تدريجاً، منطقة تلو أخرى. وفي كل خطوة، هو يبلغ الحكومة بالتنفيذ الكامل، فتقوم بإرسال الجيش إلى المنطقة، ويتولى مسؤوليات الأمن وحده هناك. فجوهر المسألة هو أن الجيش لا يجوز أن يطلب من “الحزب” تسليمه السلاح الذي التزم بتسليمه خطياً، باتفاق دولي وإقليمي، بل على “الحزب” نفسه أن ينفذ طوعاً، ويأتي إلى الجيش، عبر السلطة السياسية، ليبلغه بأن كل شيء صار جاهزاً ليمسك وحده بزمام الأمور.
سيقول البعض: لكن “الحزب” لن يفعل هذا، ولو على قطع رأسه. بل سيقاتل حتى الرمق الأخير دفاعاً عن سلاحه. والجواب هنا: إذاً، فليحصل الصدام بين الحزب والإسرائيليين والأميركيين الذين وقّعوا معه على قرار نزع السلاح، وليتدبر أموره معهم كما يشاء، بدل أن يقع بين “الحزب” والدولة والجيش والطوائف الأخرى.
اليوم، ما زالت الفرصة متاحة. فليصحَّح الخطأ الأساسي الذي ارتكبته حكومة “حزب الله”، حكومة نجيب ميقاتي في حينه. ولتسحب الدولة يدها من النار وتدفع صاحب التوقيع ليلتزم بتوقيعه. وهذا النهج لا يعني تخلي الدولة عن سيادتها كما يبدو لبعض المتسرّعين، بل على العكس، هو سياسة ذكية لتحقيق السيادة في شكل مضمون، لأنها تضع الأعباء على الجهة المسؤولة عن الكارثة وحدها، وتترك للدولة والجيش كامل القدرة على تولي زمام الأمور بسهولة و”على بياض”.
ولكن، هل تمتلك الحكومة من الحكمة والجرأة ما يسمح لها باتخاذ هذا القرار الصعب، خصوصاً أن “حزب الله” نفسه مرتاح إلى توريط الدولة بهذه المسألة، لأنه يبقيها في موقع المربك والضعيف، ما يسهّل عليه تحديها وتعطيل قراراتها؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() “الحزب” والدولة وجهاً لوجه… في داخل النفق | ![]() هل ستقع الواقعة بعد 2 أيلول؟ | ![]() خطأ فادح ترتكبه الدولة في مقاربة السلاح |