الفنادق تمتلئ والسماء تهدّد… وصَيْف لبنان يصرّ على البقاء!

هذه الثروة السياحية لا يمكن أن تستمر في النموّ أو تحقق إمكاناتها الكاملة إلا إذا توفّر شرط أساسي لا غنى عنه: الاستقرار الأمني وبسط الدولة سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية. فمن دون أمن مستدام، يبقى القطاع رهين المخاطر، والسياح والمستثمرون يتردّدون في المجيء إلى لبنان.
كتب أنطوان سعادة لـ”هنا لبنان”:
شهر آب يطوي صفحة الموسم السياحي في لبنان، وهو الشهر الذي يُعتبر تقليديًا نهاية الذروة الصيفية التي ينتظرها اللبنانيون والمغتربون كل عام، حيث تتحوّل الشواطئ والجبال إلى مقصدٍ للراحة واللقاء، وتُنعش الحركة الاقتصادية في المطاعم والفنادق والمحال التجارية. غير أن صيف 2025 لم يكن عاديًا على الإطلاق؛ فبدايته حملت معها توترات أمنية غير مسبوقة، من ضربات إسرائيلية استهدفت بيروت إلى اندلاع حرب استمرت 12 يومًا بين إسرائيل وإيران، ما زرع القلق في النفوس وأثار المخاوف من أن يُقفل الموسم السياحي قبل أن يبدأ فعليًا.
لكن الواقع جاء مغايرًا للتوقّعات، فلبنان الذي اعتاد أن يعيش على حافّة الأزمات أظهر مرةً جديدةً قدرةً استثنائيةً على الصمود. الحركة السياحية بقيت ملحوظةً، والمطارات استقبلت آلاف الوافدين يوميًا، وكأن اللبنانيين وزوّارهم، من مقيمين ومغتربين وسياح، قرروا التمسك بفسحة الحياة وسط الأزمات، رافضين الاستسلام لواقع يفرض عليهم العزلة والانكفاء. لقد بدا المشهد وكأنّه رسالة واضحة: مهما كانت الظروف قاسية، يبقى للبنان نافذة يطلّ منها على العالم عبر صيفه وموسمه السياحي.
وبحسب رئيس اتحاد النقابات السياحية ورئيس نقابة أصحاب الفنادق، بيار الأشقر، لـ”هنا لبنان”، فإنّ بداية الموسم والحجوزات التي سُجّلت في شهر أيار شكّلت مؤشّرًا واضحًا إلى صيفية واعدة، بل جيدة جدًا. ففي فترة العيد في شهر أيار، تجاوزت نسب الإشغال الفندقي في بيروت 80%، وكان ذلك بمثابة مؤشر إيجابي لموسم واعد، خصوصًا مع القدوم الملحوظ من دول الخليج العربي، حيث أبدى الوافدون رغبةً كبيرةً في زيارة لبنان.
غير أنّ هذه الأجواء سرعان ما تبدّدت مع الضربة الإسرائيلية التي استهدفت الضاحية في بيروت، ما جعل الكثيرين يتردّدون في المجيء. وزادت المخاوف أكثر بعد أسبوع واحد فقط مع اندلاع الحرب الإسرائيلية – الإيرانية التي استمرّت 12 يومًا وأقفلت الأجواء بالكامل. وهكذا بدا أنّ انطلاقة الموسم قد تراجعت بشكلٍ كبيرٍ، ما انعكس سلبًا على القطاع السياحي.
لكن بعد العاشر من تموز، تغيّرت الصورة مجدّدًا، وكأن شيئًا لم يكن؛ فعادت الحركة السياحية بقوة. ويمكن القول إنّ فترة شهر ونصف تقريبًا شكّلت فعليًا الموسم السياحي لصيف هذا العام، حيث تجاوزت نسب الإشغال في بيروت 80%، فيما تخطّت في باقي المناطق اللبنانية 60%.
وبحسب الأشقر، كل المناطق اللبنانية، من بيروت إلى جزين وبعلبك، نظّمت حفلات ومهرجانات من أهم ما شهدته المنطقة هذا الصيف. وأضاف أنّ هذه الفعاليات استطاعت أن تغطي على التهديدات الإسرائيلية والأحداث السلبية التي حاولت تشويه صورة لبنان، وأظهرت أنّ البلد قادر على تحويل أي أزمة إلى فرصة للفرح والإيجابية، من خلال حفلات وفعاليات على مستوى مرتفع.
ردًّا على سؤال حول جنسيات الوافدين، أوضح أن أغلبية الوافدين إلى لبنان هذا الصيف كانوا من المغتربين اللبنانيين، أما الجنسيات الأخرى فشملت العراقيين والأردنيين والسوريين والمصريين. كما لوحظ حضور خليجي لافت، خاصةً من الإمارات والكويت، مع زيادة لافتة في عدد الوافدين من قطر مقارنة بالسنوات الماضية.
ويختم الأشقر حديثه بتأكيد نقطة مهمة: “القطاع السياحي في لبنان لا يطلب أكثر من الاستقرار الأمني. كل المشكلات الأخرى، مهما كانت صغيرة أو كبيرة، يمكن تجاوزها، لكن الحروب هي العدو الأول للسياحة، فهي تمنع الزائرين وتثقل كاهل القطاع”. وأضاف أنّ الدول الغربية تفرض حظرًا على لبنان في هذه الفترة، وتمنع رعاياها من السفر إليه، ما يؤثر مباشرة في الحركة السياحية.
لكن الأشقر يطمئن، مشيرًا إلى أنّه عندما يدخل لبنان مرحلة الاستقرار الأمني الفعلي ويُرفع هذا الحظر، فإن اللبنانيين أنفسهم قادرون، من دون أي مساعدة خارجية، على إعادة لبنان إلى الخريطة السياحية العالمية، وإعادة دوره كوجهة جاذبة للسياح من كل أنحاء العالم. فهذا القطاع، بحسب الأشقر، يمتلك الخبرة والقدرة على التعافي بسرعة، ويثبت دومًا أنّ لبنان قادر على تحويل الأزمات إلى فرص وإبراز أفضل ما فيه من جمال وتراث وحياة نابضة.
القطاع السياحي، الذي يُدخل مليارات الدولارات سنويًا ويُعتبر ثروةً حقيقيةً للاقتصاد اللبناني، يمثل أحد الأعمدة الأساسية للحياة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. غير أنّ هذه الثروة لا يمكن أن تستمر في النموّ أو تحقق إمكاناتها الكاملة إلا إذا توفّر شرط أساسي لا غنى عنه: الاستقرار الأمني وبسط الدولة سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية. فمن دون أمن مستدام، يبقى القطاع رهين المخاطر، والسياح والمستثمرون يتردّدون قبل المجيء إلى لبنان.
وعندما يتحقّق هذا الاستقرار، يفتح القطاع أبوابه لمواسم واعدة تُعيد الحياة إلى الشوارع والفنادق والمطاعم، وتعيد الأمل للاقتصاد ولللبنانيين جميعًا. عندها يصبح لبنان قادرًا على تحويل التحدّيات إلى فرص، واستثمار كل الإمكانات المتاحة لإعادة لبنان إلى الخريطة السياحية العالمية، مساهمًا في خلق فرص عمل، وتعزيز الاقتصاد الوطني، وإبراز صورة لبنان كوجهة نابضة بالحياة والجمال. فكل موسم سياحي مستقر هو بمثابة وعد جديد بالازدهار وبمستقبل أفضل للبلاد.