جلسة بعبدا: خطة الجيش بين استعادة الدولة وصدام محتمل مع “الحزب”

جلسة اليوم في بعبدا ليست كباقي الجلسات. فهي تحمل إمّا بداية مسارٍ لإعادة بناء الدولة على قاعدة سيادتها الأمنية، وإمّا انزلاقًا جديدًا إلى أزمةٍ سياسيةٍ وربّما أمنية
كتبت إليونور أسطفان لـ”هنا لبنان”:
تتجه الأنظار اليوم إلى قصر بعبدا حيث يعقد مجلس الوزراء جلسة مفصلية، على جدول أعمالها خطة الجيش لاستعادة حصرية السلاح بيد الدولة. هذه الجلسة، وإن بدت في ظاهرها تقنيةً، إلّا أنّها تحمل في طياتها أبعادًا سياسيةً وأمنيةً بالغة الحساسيّة، قد تحدّد مسار المرحلة المقبلة في لبنان.
فمنذ انتهاء الحرب الأهلية، بقي ملف السلاح خارج إطار الدولة عقدةً مزمنةً. تعاملت الحكومات المتعاقبة معه بسياسة الأمر الواقع تحت عنوان “سلاح المقاومة”، غير أن الخسارة التي مُني بها عقب الحرب مع إسرائيل وضعت هذا الملف في صدارة أولويات المجتمع الدولي والحكومة اللبنانية على حد سواء.
بناءً على ذلك، كلّف مجلس الوزراء الجيش اللبناني إعداد خطة عملية لتطبيق مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة، على أن تُعرض للموافقة قبل نهاية أيلول الجاري، بالتوازي مع اتفاق وقف إطلاق النار الذي اقترح مراحل تدريجية لسحب السلاح من الجماعات المسلحة.
ماذا سيجري خلال الجلسة؟ تشير مصادر سياسية متابعة إلى أنّ ثلاثة سيناريوهات مطروحة للجلسة. فبعد أن يطرح قائد الجيش العماد رودولف هيكل الخطة التي وضعتها القيادة لحصرية السلاح، فإنّ مجلس الوزراء سيكون أمام 3 خيارات؛ إمّا خيار أخذ العلم بها من دون تحديد مدة زمنية لتنفيذ هذا القرار، أو خيار السيناريو الثاني بتبنّيها كاملة، أو الذهاب إلى رفضها والطلب إلى الجيش إعداد خطة أخرى تناسب الوضع الحالي.
وبحسب المصادر عبر “هنا لبنان”، فإنّ انقسامًا عموديًا سيظهر في الجلسة بين من سيكون مع الخيار الأول ومن يتجه إلى سحب فتيل الأزمة والاتجاه نحو الخيار الثاني، وهنا سيكون مجلس الوزراء اليوم أمام جلسة متفجّرة يصعب التكهن بنهايتها، ولو أنّ الترجيحات تشير إلى إمكانية توصل الاتصالات التي تكثّفت في الساعات الماضية إلى الخروج بحلّ وسطي يُرضي الداخل والخارج على حدٍّ سواء ويُبقي قرار الدولة واضحًا في هذا الإطار.
وفي هذا الإطار، تشير مصادر أمنية عبر “هنا لبنان” إلى أن التقارير الأمنية تتحدّث عن إمكانية تحرّك لحزب الله عقب الجلسة وقرارها حيث سيعمد إلى “تحريك الأهالي” مع بعض النسوة والاطفال رفضًا لهذا القرار.
ما هي خطة الجيش؟ بحسب المعلومات فإنّ خطة الجيش تُراعي كل الوقائع اللبنانية على قاعدة عدم الصدام مع أي طرف لبناني، وتوفير الظروف السياسية المواتية وعلى قاعدة التفاهم. فقائد الجيش العماد رودولف هيكل سيعرض تصوّره للخطة بالإضافة إلى عرض كل المعوقات أو الصعوبات التي قد تعترض طريقه في التطبيق، بالإضافة إلى عدم التقيّد بمهلة زمنية محددة أو الحاجة إلى مدة مفتوحة، نظرًا لعدم امتلاك معلومات دقيقة حول حجم الأسلحة وأماكنها.
كما سيقدم جملةً من الثوابت يرتكز إليها تأتي استكمالًا لما بدأه، تنفيذًا لاتفاق وقف الأعمال العدائية الرامي إلى تطبيق القرار 1701.
كما أشارت المعلومات إلى أن هيكل سيتطرّق في الخطة أيضًا إلى كلفة تنفيذ خطة الجيش المحتملة والتي قد تبلغ عشرة مليارات دولار، تُوزع بين عشر سنوات بمعدّل مليار دولار سنويًا. وسيتم تأمينها من الدول الصديقة للبنان لضمان الاستدامة المالية للخطة، إلى جانب تأمين الدعم اللازم لزيادة الرواتب الشهرية لعناصر الأجهزة الأمنية، بما يعزز صمود القوى العسكرية في مواجهة التحدّيات الميدانية، هذا فضلًا عن الحاجة إلى رفع أعداد القوات إلى حوالي 5000 عنصر، مجهّزين بالعتاد القتالي، والتجهيزات العسكرية، ووسائل النقل اللازمة، إلى ضرورة تعزيز القدرات الجوية والبحرية والهيكلية القتالية.
في حال تبنّي الخطة وتنفيذها، سيسجّل لبنان خطوةً كبيرةً نحو ترسيخ الاستقرار وإعادة الاعتبار للأجهزة الشرعية. لكن في المقابل، فإنّ أي رفض أو تعطيل من جانب حزب الله قد يفتح الباب أمام انقسامات خطيرة، بل ويثير هواجس مواجهة مباشرة بين الجيش والحزب، وهو سيناريو يعتبره المراقبون كارثيًا.
المجتمع الدولي بدوره يراقب التطورات عن كثب، ويربط أي مساعدات مستقبلية بمدى جدّية الحكومة في السير بخطة احتكار السلاح.
جلسة اليوم في بعبدا ليست كباقي الجلسات. فهي تحمل إمّا بداية مسار لإعادة بناء الدولة على قاعدة سيادتها الأمنية، وإمّا انزلاقًا جديدًا إلى أزمة سياسية وربّما أمنية. وبين خيارَيْ التنازل أو التصعيد، يقف لبنان على مفترق طرق حاسم، فيما تبقى الكلمة الفصل لما سيخرج من قاعة بعبدا.