إسرائيل تخرق كل الخطوط الحمر

إسرائيل باختيارها استهداف قادة حماس في قطر، دخلت مرحلة جديدة من المغامرة، ستنعكس ارتداداتها على كل ساحات المنطقة، من غزة إلى لبنان، إلى العلاقة مع أميركا التي لا تتردد في القول في كل مناسبة، “شكراً قطر”
كتب أسعد بشارة لـ”هنا لبنان”:
يشكّل الاستهداف الإسرائيلي لقادة من حركة حماس على الأراضي القطرية تحوّلًا بالغ الخطورة في مسار الصراع، إذ ينقل المواجهة إلى مستوى غير مسبوق، ويتجاوز كل الخطوط الحمر المعمول بها حتى في أكثر المراحل اشتعالًا. فإسرائيل لم تكتفِ بتوسيع دائرة الاغتيالات خارج فلسطين ولبنان، بل ضربت بعرض الحائط المصالح الأميركية نفسها، وهي التي تضع قطر في صدارة الدول الحليفة والاستراتيجية في المنطقة.
قطر لم تكن دولة عادية في سياق هذه الحرب. فهي التي تصدّت لمهمة الوساطة، وعملت على إدارة قنوات التفاوض لإنهاء الحرب بين إسرائيل وإيران، كما أنها الطرف الأساسي في كل المساعي الدبلوماسية الهادفة إلى التوصل إلى تسوية توقف النزف في غزة. وبالتالي، فإنّ استهداف شخصيات من حماس في قلب الدوحة، يحمل رسالة مزدوجة: أولًا نسف أي إمكانية لنجاح الوساطة، وثانيًا تحدٍ سافر للولايات المتحدة التي منحت قطر دورًا محوريًا.
خطورة العملية تكمن في أنها ليست مجرد حدث أمني منعزل، بل إشارة إلى أنّ إسرائيل مستعدة لتكرار السيناريو نفسه في ساحات أخرى. فاستئناف الحرب في لبنان يصبح احتمالًا واردًا أكثر من أي وقت مضى، خاصة أن إسرائيل باتت تعتمد سياسة الضربات الاستباقية من دون حساب للكلفة الاستراتيجية على المدى البعيد. وهنا تكمن الخلاصة الأبرز: أن الاغتيال في قطر ليس سوى مقدّمة لمسار تصعيدي مرشّح للتوسع.
وما يزيد الأمر تعقيدًا هو الحديث المتصاعد في الإعلام الإسرائيلي عن وجود غطاء أميركي لعملية قصف الدوحة. غير أنّ الاتصال الذي أجراه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالقيادة القطرية، وما تضمّنه من تعهد بعدم تكرار الاعتداء، بما يشبه الاعتذار، يكشف حجم الإرباك الذي سبّبته الخطوة الإسرائيلية. فإسرائيل لم تُستهدف قطر وحدها، بل ألحقت ضررًا مباشرًا بموقع الولايات المتحدة في المنطقة، وضربت صدقية تحالفاتها مع حلفاء أساسيين، لا سيما بعد التسريبات غير البريئة التي حاولت الايحاء بأنّ قطر أعلمت بالضربة مسبقا.
وفي السياق ذاته، يختلف اغتيال إسماعيل هنية في طهران عن اغتيال قادة حماس في الدوحة. ففي إيران، كان الصراع مفتوحًا ومعلنًا، أما في قطر، فالعملية تمثل مسًّا بجوهر التوازنات السياسية التي ترعاها واشنطن. الفارق هنا جوهري: ففي الحالة الإيرانية، اعتُبر الاغتيال جزءًا من معركة النفوذ الإقليمي، أما في الدوحة فهو تجاوز غير مسبوق لقواعد اللعبة، يضع إسرائيل في مواجهة مباشرة ليس فقط مع خصومها، بل مع المزيد من القوى العالمية والأوروبية في طليعتها.
بهذا المعنى، يمكن القول إنّ إسرائيل باختيارها استهداف قادة حماس في قطر، دخلت مرحلة جديدة من المغامرة، ستنعكس ارتداداتها على كل ساحات المنطقة، من غزة إلى لبنان، إلى العلاقة مع أميركا التي لا تتردد في القول في كل مناسبة، “شكراً قطر”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() لا مسافة بين القرار والتنفيذ | ![]() تصميم أميركي على إنجاز المهمة | ![]() إلى التنفيذ دُرْ… |