القطبة المخفية: سيناريو “السلاح الصدِئ”


خاص 11 أيلول, 2025

مجلس الوزراء رَسَمَ خريطة طريقٍ لمرحلةٍ معقّدةٍ وحافلةٍ بالمخاطر، وليس سهلًا فيها سوى التفاهم على الجنوب، فيما الخطر كامن في الشمال، حيث سيكون “السلاح الصدِئ” ذريعةً لاستمرار تدمير البلد.

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

في 5 أيلول، خرج مجلس الوزراء بما يشبه خريطة الطريق لمعالجة الأزمة، لكنّه رسمها بقلم رصاصٍ يمكن مَحْوُه. وبدلًا من أن يُعلن نهايةً للصراع، أطلق بيان الحكومة مسارًا نحو مرحلة انتقالية غامضة. وفي ظلّ التوازنات المعقّدة، كشف رغبةً مشتركةً في تجنّب الصدام والحفاظ على المصالح.

————

واضح أنّ الجزء الذي يحظى بموافقة الأطراف جميعًا من خطة الجيش هو المرحلة الأولى التي تتضمّن تسلّمه وحده زمام الأمور في جنوب الليطاني. وهذا الجزء هو محور الارتكاز حاليًا، ليس فقط لأنّ تلك المنطقة هي نقطة التوتّر الأساسية، بل أيضًا لأنّ الحلّ هناك يمثّل نقطة التقاء المصالح: “حزب الله” راضٍ بما هو مرسوم لهذه المرحلة تحديدًا، وليس أكثر، لأنّ انسحابه التكتيكي من تلك المنطقة يبقى أدنى تكلفةً من مواجهة شاملة ستقوّض وجوده. وفي المقابل، ترى إسرائيل أن تنفيذ هذه الخطة على حدودها الشمالية هو أولوية قصوى، إذ يمنحها هامشًا كافيًا من الأمن الذي تُطالب به.

لذلك، يمكن للجيش أن يُراهن على التنفيذ الكامل لهذه المرحلة، في مدى الأشهر الثلاثة المقبلة، لأنّ الكل سيكون راضيًا. فإسرائيل ستحصل على “المنطقة العازلة” التي تُطالب بها، و”حزب الله” يحافظ على ماء وجهه، ويجنّب نفسه والبلد حربًا مدمّرةً.

هذه المعادلة قد تبدو مثاليةً للوهلة الأولى. لكنّها تخفي في طيّاتها سيناريوهاتٍ معقّدةً على المدى الطويل، وأشدّها خطرًا أن تكتفي إسرائيل ضمنًا بما تحقّق جنوب الليطاني، أو جنوب نهر الأولي على الأكثر، ثم تعلن أنّ “الحزب” أخلَّ بتعهداته ولم يلتزم نزع السلاح بشكلٍ كاملٍ، وفقًا لمندرجات اتفاق 27 تشرين الثاني 2024. ما يسمح لها بمواصلة عملياتها شبه اليومية في أيّ منطقة من لبنان. وهذا الأمر يترك البلد في وضعيّةٍ ملتبسةٍ بين السلم المستدام والحرب الشاملة، ما يمنع تمامًا نهوضه من الأزمة الاقتصادية، لأنّ المجتمع الدولي لن يبذل أي جهد لمساعدته ما دام فيه سلاح غير شرعي ويمتنع عن تطبيق الإصلاحات المطلوبة.

هذا السيناريو ينطلق من فرضية أنّ الحكومة “ستنسى” سلاح “حزب الله” في شمال الليطاني، ولن تبادر إلى مصادرته، لكنّها ستمنع إخراجه من المخازن والأنفاق وتحريكه ونقله إلى أمكنة أخرى. كما ينطلق من ثابتة أنّ هذا السلاح بات محاصرًا ومعزولًا بعد سقوط نظام الأسد في سوريا وتولّي أحمد الشرع زمام السلطة، بسبب خسارة خط إمداده الوحيد.

في ضوء ذلك، سيتّجه السلاح الموجود في هذه المخازن والأنفاق، شمال الليطاني، إلى حصارٍ مطبقٍ، وفي شكلٍ تدريجيّ، إلى أن يصبح مجرّد سلاحٍ “صدئٍ” يفتقر حتى إلى الصيانة. وفي معنى آخر، هو يصبح عبئًا على “الحزب”، ويخسر صفة القوة العاتية التي تُثير خشية الأعداء في الخارج والخصوم في الداخل.

ولكن، على الرَّغم من ذلك، ستستفيد إسرائيل من هذا الوضع لتبرّر مواصلة عملياتها العسكرية ضد الكوادر والعناصر والسلاح المخزَّن، ولـ”تلاحق الإرهابيين” وتمنع وصول أي إمدادات جديدة إلى “الحزب”. وهذا الخيار سيحظى حتمًا بدعم الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين الذين على الأرجح سيتشاركون القوة المتعدّدة الجنسيات، المنتظر أن تتولّى زمام الأمور في مناطق الحدود المحاذية لإسرائيل، بعد مغادرة “اليونيفيل” في مطلع العام 2027.

في هذا السيناريو، سيكون لبنان في مأزقٍ حقيقي. فـ”الحزب” يستمرّ في اعتماد خطاب “عدم الاستسلام” الذي يعتقد أنّ به يبرّر وجوده. لكنه في المقابل سيبقى عاجزًا تمامًا، ودائمًا، عن خوض أي مواجهة مع إسرائيل، لأنّ ميزان القوة راجح بقوة لمصلحتها، ولأن من المستحيل أن يتمكّن من تجديد سلاحه أو تعويض أي خسارة تصيبه، بسبب انقطاع خط الإمداد في سوريا.

ولكن، هذا الواقع سيجعل لبنان رهينةً لعملية تصفيةٍ مستمرّةٍ، بهدف تدمير قوة “الحزب” العسكرية، وإضعاف نفوذه السياسي. فالجميع سيحاول تجنّب الحرب الشاملة. لكنّ الإسرائيليين والأميركيين سيكونون قد حققوا أهدافهم بإضعاف “الحزب”، فيما ستُثار تساؤلات حول مستقبل لبنان الباقي ساحة للصراع، لا نهوض له، ومن دون أي أفق للخروج من المأزق.

لقد رَسَمَ مجلس الوزراء خريطة طريقٍ لمرحلةٍ معقّدةٍ وحافلةٍ بالمخاطر. وليس سهلًا فيها سوى التفاهم على الجنوب، فيما الخطر كامن في الشمال، حيث سيكون “السلاح الصدئ” ذريعةً لاستمرار تدمير البلد.

في الواقع، أي تسوية باطنية ترتضي بقاء السلاح ستكون وصفةً لبقاء لبنان “دولةً رخوةً” تتلاعب بها القوى الإقليمية والدولية. بل إنّ السؤال الأساسي الواجب طرحه هو: ما الفائدة من بقاء سلاحٍ “صدئٍ” لا يصلح لمواجهة إسرائيل، فيما هو مبرّر حتمي لقيامها بشنّ الحرب، في أي لحظة؟ ولماذا يبقى السلاح وكأنّه قنبلة موقوتة، أو كأنّه مكتوب على لبنان أن يبقى سائرًا في حقلٍ من الألغام التي تهدّد بتفجيره في أي لحظة؟.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us