ورقة الـ5 ملايين ليرة: محاولة لتعزيز التداول مع الحفاظ على استقرار الليرة


خاص 12 أيلول, 2025

ورقة الـ5 ملايين ليرة أشعلت البلبلة في السوق، خصوصًا بعد أن أقرت لجنة المال والموازنة تعديلًا يسمح لمصرف لبنان بإصدار أوراق نقدية أكبر. العيون كلها اليوم تتجه نحو هذه الخطوة، والتحذيرات تتزايد حول انعكاساتها على قيمة الليرة مقابل الدولار


كتب أنطوان سعادة لـ”هنا لبنان”:

هناك الكثير من الكلام حول موضوع استقرار سعر الصرف لليرة اللبنانية، خصوصاً بعد الحديث عن إصدار فئات ورقية أكبر، تصل إلى 5 ملايين ليرة. هذا الأمر أثار نوعًا من المخاوف لدى الناس، إذ يطرح سؤالًا مهمًا: هل نحن بصدد خطوة لتسهيل التداول، أم أنها قد تكون أداة تهدد سعر الصرف وتفتح الباب أمام تضخم جديد؟
ورقة الـ5 ملايين ليرة أشعلت البلبلة في السوق، خصوصًا بعد أن أقرت لجنة المال والموازنة تعديلًا يسمح لمصرف لبنان بإصدار أوراق نقدية أكبر. العيون كلها اليوم تتجه نحو هذه الخطوة، والتحذيرات تتزايد حول انعكاساتها على قيمة الليرة مقابل الدولار. الناس يترقبون بقلق، لأنّ كل إجراء مالي جديد أصبح مرتبطًا مباشرة بالمخاوف من انهيار إضافي في السوق.

استقرار سعر الصرف يكون نتيجة التفاعل بين الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية والكتلة النقدية بالعملات الأجنبية. هذا التفاعل كان لصالح الليرة اللبنانية خلال السنتين ونصف الأخيرتين، لأن الكتلة النقدية بالليرة لم تتضخّم كثيرًا. مصرف لبنان أوقف تمويل عجز الدولة، فكان هناك بعض التوازن في المالية العامة، ولو بشكل جزئي.

ومن جهة أخرى، حين ازدادت الكتلة النقدية بالعملات الأجنبية، أصبح ميزان المدفوعات إيجابيًا بمليار ونصف مليون دولار عام 2024، وخلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025 كان الإيجابي 2.6 مليار دولار. بمعنى آخر، هناك دولارات تدخل البلد، وبالتالي التفاعل كان لصالح العملة الوطنية، الليرة اللبنانية.

ولكن السؤال يبقى: هل سيستمر هذا التفاعل في المستقبل؟

من هنا تكمن أهمية الحفاظ على التوازن في المالية العامة. من المهم ألا نذهب إلى مرحلة سياسة نفقات إضافية دون تأمين إيرادات مقابلة. من الطبيعي أن تصرف الدولة على حاجات محقة، ولكن أي صرف إضافي يجب أن يكون مقابل إيرادات إضافية، للحفاظ على التوازن في المالية العامة، والذي يُعتبر عنصرًا أساسيًا في استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية في السوق.

صحيح أن الليرة اللبنانية مستقرة في الفترة الأخيرة، ولكنها لم تستعد دورها أو وظيفتها في السوق اللبنانية بالكامل. هناك أربع وظائف لأي عملة في العالم:
أداة للتداول
أداة محاسبية
أداة إدخار
أداة تسليف

هذه الوظائف الأربع لم تستعدها الليرة اللبنانية منذ عام 2019، لأن التداول يحصل غالبًا بالعملات الأجنبية وليس بالليرة اللبنانية. من هنا تأتي أهمية إصدار الفئات الأكبر، وصولًا إلى 5 ملايين ليرة، لاستعادة دور الليرة كأداة للتداول.

أما بالنسبة لوظائف أخرى: الليرة لم تستعد دورها كوسيلة محاسبة لأنّ الحسابات غالبًا بالعملات الأجنبية، ولم تستعد دورها كأداة إدخار لأن التحويلات إلى الليرة لم تكن كبيرة بما يكفي لتعزيز هذا الدور، كما أنها لم تستعد دورها في التسليف لأن القروض لا تمنح بالليرة اللبنانية بشكل واسع.

لذلك، من المهم استعادة هذه الأدوار لليرة، خصوصًا دورها كأداة للتداول، مع إصدار فئات أكبر، على ألا يكون ذلك على حساب زيادة النقد المتداول بشكل كبير وحدوث تضخم. ومن هنا تأتي أهمية الحفاظ على استقرار المالية العامة للدولة اللبنانية.

الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية في السوق أصبحت وحو 75 ألف مليار ليرة، ما يوازي نحو 800 مليون دولار، بينما يمتلك مصرف لبنان نحو 11.6 مليار دولار من الاحتياطيات. وهذا يعني أن الكتلة النقدية بالليرة لا تشكل إلا نحو 8% من احتياطيات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية السائلة.

تقنيًا، سوق القطع تحت سيطرة تامة لمصرف لبنان، ومن هنا يُسمح له بإصدار فئات ورقية أكبر لليرة اللبنانية، ولكن بشرط ألا يتم خلق نقد إضافي بكميات كبيرة في السوق، مما قد يهدد التوازنات المالية.

موضوع استقرار سعر الصرف يبقى مهمًا جدًا، ويعتمد على التوازن في المالية العامة وميزان المدفوعات، من خلال تحفيز المناخ الاستثماري في البلد، واستقطاب العملات الأجنبية، وتعزيز الكتلة النقدية بالعملات الأجنبية. هذا التوازن بين الكتلتين هو الذي يحدد استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية، والذي من المرجح أن يبقى مستقراً على المدى المنظور بشرط الحفاظ على المالية العامة بشكل خاص.

من هنا، ينسّق مصرف لبنان بشكل كامل مع وزارة المالية لضبط حجم الكتلة النقدية بالليرة في السوق، في محاولة للحفاظ على استقرار سعر الصرف والحد من أي اهتزازات جديدة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us