السلام المفقود… هل يعيده “إعلان نيويورك”؟


خاص 15 أيلول, 2025

يقف الشرق الأوسط أمام مفترق طرق: مشروع إسرائيلي يسعى إلى فرض هيمنته بقوة السلاح، ومسار أممي – عربي يراهن على حلّ سياسي يعيد رسم ملامح السلام المفقود… والمطلوب أن يبادر لبنان ليكون جزءًا من مستقبل المنطقة وسلامها واستقرارها، لا ملحقاً بـ”إعلان نيويورك” الهادف إلى تحقيق السلام والازدهار والتكامل الإقليمي لمصلحة جميع شعوب المنطقة

كتب طوني كرم لـ”هنا لبنان”:

تواصل إسرائيل إرسال رسائل متعددة الاتجاهات منذ عملية “طوفان الأقصى”، واضعةً لبنان والدول العربية والإسلامية أمام واقع يستدعي تعاملاً دقيقاً وحذراً. تل أبيب ترفض “إعلان نيويورك” الداعي إلى السلام على أساس حلّ الدولتين، وتستهدف أعداءها في قطر انطلاقاً من المشروعية الدولية التي نجحت في تكريسها، بهدف ضمان أمنها واستقرارها بمعزل عن المواثيق والقوانين والأعراف الدولية.

مغامرة يحيى السنوار في 7 أكتوبر أيقظت هواجس إسرائيل الوجودية، ولا تزال تداعياتها تتوالى. فقد مكّنت حكومة بنيامين نتنياهو، عشيّة الذكرى الثانية لتلك الأحداث الدموية، من تعزيز ترسانتها العسكرية والدبلوماسية، وإجهاض أي مساعٍ لحلّ سلمي في غزة، وصولاً إلى اغتيال أعضاء من وفد “حماس” المفاوض في قطر.

أمام صور المآسي الإنسانية في غزة، تصرّ إسرائيل على فرض “سلام” من منظورها الخاص المرتكز على استسلام خصومها؛ ساعيةً إلى تكريس نفسها شرطيّاً للشرق الأوسط، وفرض مشروعيتها في التحكم بموازين القوة من إيران إلى الخليج مروراً بغزة.

في لبنان، اعتبرت تل أبيب أنّ حرب الاستنزاف التي خاضها “حزب الله” تهديد مباشر لمستوطنيها، وأنها كسرت قواعد الاشتباك التي توهّم الحزب بوجودها. دفعت بعد سلسلة الاغتيالات التي طالت قيادات “حزب الله”، واغتيال الأمين العام السيد حسن نصرالله، “الحزب” إلى الالتزام الأحادي بوقف إطلاق النار، ونقل معركته من “تحرير القدس” إلى مواجهة الدولة اللبنانية وخططها لبسط سلطتها على كامل أراضيها.
ولم تكتف إسرائيل بإلهاء “حزب الله” بالتصدي لمشروع قيام الدولة في لبنان. بل ذهبت أبعد عبر استدراج الولايات المتحدة لضرب المفاعلات النووية الإيرانية، حيث كانت 12 يوماً كافية لإضعاف طموحات طهران النووية وتقويض قدرتها على تهديد أمن المنطقة. ومع ذلك، بقيت عاجزة عن تحرير أسراها لدى “حماس”، ما أعاد التأكيد على الحاجة إلى تسوية سلمية شاملة للقضية الفلسطينية.

في هذا السياق، برزت الجهود السعودية – الفرنسية التي أثمرت عن تبنّي الجمعية العامة للأمم المتحدة “إعلان نيويورك” بأغلبية 142 دولة، مقابل معارضة 10 دول بينها الولايات المتحدة وإسرائيل، وامتناع 12 دولة عن التصويت. ويستند الإعلان إلى مبادرة السلام العربية (2002)، واضعاً خارطة طريق لحل الدولتين، تشمل: وقفاً فورياً لإطلاق النار في غزة، إطلاق سراح جميع الرهائن، إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للحياة، نزع سلاح “حماس” وإقصاءها عن الحكم في غزة، والتطبيع بين إسرائيل والدول العربية، إلى جانب ضمانات أمن جماعية.

وأكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، باسم الدول الراعية، أن هذه المخرجات “تعكس مقترحات شاملة عبر محاور سياسية وإنسانية وأمنية واقتصادية وقانونية واستراتيجية، وتشكل إطاراً قابلاً للتنفيذ من أجل تحقيق السلام والأمن للجميع”.
في المقابل، رفضت إسرائيل الإعلان، واعتبر ممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة، داني دانون، أنه “مناورة سياسية عبثية”، مؤكداً أن بلاده “لن تسمح لحماس بتحقيق ما عجزت عنه في السابع من أكتوبر 2023 عبر الأمم المتحدة”.

ورغم أنّ قرارات الجمعية العامة غير ملزمة قانونياً، فإن “إعلان نيويورك” يمثل خطوة متقدمة لنقل المطالب الفلسطينية من الإطار المحلي إلى المحافل الدولية، وحشد الدعم العالمي باتجاه حلّ الدولتين. خطوة اصطدمت برفض مشترك من إسرائيل وإيران، وبمعارضة دول أخرى أبرزها الأرجنتين والمجر، فيما تغيّبت أو امتنعت عن التصويت دول عديدة من أميركا اللاتينية وإفريقيا وآسيا، بينها إيران والعراق وتونس.

وأمام هذا المشهد، تُعقد اليوم قمة عربية إسلامية في الدوحة تضامناً مع قطر ورفضاً لتحويل الخليج ساحة لتبادل الرسائل العسكرية؛ والمفارقة أن إيران التي استهدفت قواعد أميركية في قطر تشارك في اللقاء وتزايد على إسرائيل في إنتهاك سيادة الدول العربية.
وفي حين يظل الشرق الأوسط أمام مفترق طرق: بين مشروع إسرائيلي يسعى إلى فرض هيمنته بقوة السلاح، ومسار أممي – عربي يراهن على حلّ سياسي يعيد رسم ملامح السلام المفقود… يبقى المطلوب أن يبادر لبنان ليكون جزءًا من مستقبل المنطقة وسلامها واستقرارها، لا ملحقاً بـ”إعلان نيويورك” الهادف إلى تحقيق السلام والازدهار والتكامل الإقليمي لمصلحة جميع شعوب المنطقة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us