هل نُصدّق تهديد إسرائيل هذه المرة؟

عندما أشعل “الحزب” حرب المساندة، قال الإسرائيليون: سنتفرّغ للبنان بعد أن نحسم الحرب في قطاع غزة. فلم نصدقهم، وحصل ما حصل. واليوم، هم يقولون: سنعود إلى الحرب الواسعة في لبنان بعد اجتياح مدينة غزة. فهل علينا أن نصدقهم؟ وفي أي حال، ما السبيل إلى تجنيب لبنان جولة جديدة من الكوارث؟ إنها مسألة وقت… قصير على الأرجح!
كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:
دخل المشهد السياسي في لبنان وضعية “الانتظار الاستراتيجي”. فقد أظهرت الحكومة، في الخامس من أيلول، أنها تخشى التصادم المحتمل مع “حزب الله” وبيئته، فخرجت ببيانها الذي يفتح أبواب التأويل والتفلت من المواعيد والمهل. والمستغرب هو أنّ قارب النجاة الذي ركبته الحكومة للهرب من الصدام الداخلي المحتمل هو رد إسرائيل على توم باراك: لن نقوم بأي خطوة من جانبنا في لبنان، قبل نزع سلاح “الحزب” بالكامل.
المثير أنّ الحكومة اللبنانية لم يوقعها الرد الإسرائيلي في مأزق. وعلى العكس، هي اعتبرته “هدية”، ووجدته مبرراً للهرب من المهل الزمنية التي حددتها لنزع السلاح. وثمة من يطرح سؤالاً آخر: ألا ينظر “الحزب” أيضاً بازدواجية إلى موقف إسرائيل؟ فهو متضرر طبعاً من بقائها في نقاط معينة داخل الحدود ومن غاراتها وعمليات الاغتيال، لكنه في المقابل يجد في الموقف الإسرائيلي أفضل ذريعة لفرملة الهجمة الداخلية على سلاحه.
وهكذا، أصبح جميع المعنيين بملف السلاح، أي الحكومة و”الحزب” وخصومه، في حال ترقّب لما ستفرزه تطورات الإقليم. ويراهن كل طرف على أنّ هذه التطورات ستحسم الأمور لمصلحته. فالحكومة ترى أنّ مشكلة السلاح لم تُطرح أساساً إلا بنتيجة التحولات الداخلية والإقليمية، ولذلك، هذه التحولات إياها هي التي ستحسم الملف، فإما أن يتم فعلاً نزع السلاح وإما أن يبقى في وضعيته الحالية. ولذلك، لا يرى لبنان الرسمي فائدة من خلق مناخات صدامية داخلية على خلفية الموقف من السلاح.
وأما “حزب الله” فيراهن على صمود إيران في وجه الضغوط، وعلى استخدام مزيج من التهديدات والوعود، وعلى التذرع بسلبية الموقف الإسرائيلي كي يرفض التخلي عن السلاح، باعتباره جزءاً من “معادلة الردع والمقاومة”. وأما خصوم “الحزب” في الداخل فيراهنون على أنّ قرار الحكومة قد يتعثر بعض الشيء، أو يتأخر، لكنه سينفذ حتماً، لأنه موضع تقاطعات ومصالح إقليمية ودولية.
إذاً، الجميع يراهنون إقليمياً. فضربات إسرائيل الشرسة في غزة ولبنان وسوريا واليمن، ومسار المفاوضات المتعلقة بحرب غزة، والتسوية التي سيرسو عليها الوضع في القطاع والضفة الغربية والملف الفلسطيني عموماً، والمحادثات الأميركية-الإيرانية حول الملف النووي، كلها ستؤثر مباشرة على وضع لبنان، وعلى مصير اتفاق تشرين الثاني لوقف النار، وعلى سلاح “حزب الله”. كما أنّ الاتصالات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل، الجارية برعاية الولايات المتحدة، لها تأثيرها الأساسي في رسم الاتجاهات.
في هذه المرحلة، الكل يعرف ما يريد، وقد اتخذ قراره الواضح: خصوم “الحزب” يريدون تحجيمه ليصبح طبيعياً داخل التركيبة اللبنانية، فيما هو يتمسك بكونه القوة الخارقة التي تفرض نفوذها على الدولة وتتحكم بقرارها. وفي معنى آخر، هو يريد بأي ثمن أن يبقى “أكبر من الدولة”. والجديد هو أنّ الطرف الأول بات للمرة الأولى يمتلك فرصة حقيقية لقلب الطاولة. ولكن، في الواقع، لا يبدو الحسم ممكناً إلا إذا سمحت توازنات القوى الخارجية بذلك. ولكن، من الواضح أنّ كلا الطرفين يتجنبان المخاطرة بمواجهة داخلية. وهذا الانتظار لمسار التطورات الإقليمية قد يكون قصير الأمد، لكنه قد يطول، لأنّ حسم الملفات الإقليمية الساخنة قد يستغرق أعواماً.
قد يبدو للبعض أنّ هذه المراوحة أو الجمود في الواقع السياسي الداخلي يجنّب لبنان المغامرات الخطرة. لكن هذا الاعتقاد ليس في محله. وإذا كان اللبنانيون معتادين على ممارسة لعبة الوقت لمعالجة أزماتهم أو للهرب من الأسوأ، فإنّ إسرائيل والقوى الفاعلة في الشرق الأوسط قد لا تشاركهم هذه اللعبة، وتفضل اختصار الوقت وحسم الخيارات سريعاً، لأنّ أجندتها الإقليمية تقتضي ذلك. وإذا قرر الإسرائيليون، بدعم أميركي، إنهاء الملف الشائك مع لبنان على طريقتهم، وفي مدى زمني قصير، فسيتعرض البلد لخطر سياسي وعسكري واقتصادي كبير. بل إنّ الخطر الذي سينتظره في هذه الحال سيكون أكبر بكثير من خطر المصارحة الداخلية وحسم ملف السلاح بأدوات لبنانية. ولذلك، من مصلحة اللبنانيين أن يعالجوا هذه الملفات بأنفسهم، وفي أقرب ما يمكن.
عندما أشعل “حزب الله” حرب المساندة، قال الإسرائيليون: سنتفرغ للبنان بعد أن نحسم الحرب في قطاع غزة. فلم نصدقهم، وحصل ما حصل. واليوم، هم يقولون: سنعود إلى الحرب الواسعة في لبنان بعد اجتياح مدينة غزة. فهل علينا أن نصدقهم؟ وفي أي حال، ما السبيل إلى تجنيب لبنان جولة جديدة من الكوارث؟ إنها مسألة وقت… قصير على الأرجح.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() القطبة المخفية: سيناريو “السلاح الصدِئ” | ![]() اسحبوا أيديكم.. وليتحمل “الحزب” مسؤولية توقيعه! | ![]() “الحزب” والدولة وجهاً لوجه… في داخل النفق |