العرب بين إسرائيل-حماس-إيران

بقيت إيران تدير “حماس” في غزة حتى أغار سلاح الجو الإسرائيلي في 9 أيلول الجاري على أحد منشآت حماس في الدوحة ما تم الرد عليه بمؤتمر قمة عربي-إسلامي شاركت فيه إيران برئيسها على الرغم من أنها كانت قد قصفت قطر في حزيران الماضي، وقد أزعجت مشاركتها الغرب عموماً وأدت إلى “امتعاض صامت” لدى عدة دول عربية رأت أنها قد تؤدي إلى “إعادة اعتبار” للدور الإيراني في دول الهلال ما يمكن أن ينعكس سلباً على خطة الجيش اللبناني لنزع سلاح الحزب
كتب محمد سلام لـ”هنا لبنان”:
منذ قيام دولة إسرائيل في العام 1948حتى انتصارها على 3 دول عربية في حرب الأيام الستة سنة 1967 كان قطاع غزة تحت رعاية مصر، والضفة الغربية تحت إدارة الأردن ومرتفعات الجولان تحت سيطرة سوريا.
أعاد ياسر عرفات غزة والضفة الغربية إلى أهاليهما بموجب إتفاقية أوسلو لعام 1993 وبقيت مرتفعات الجولان وبحيرة طبريا تحت سيطرة إسرائيل لأنّ الكنيست كان قد أعلن ضمهما ورفضت الدولة العبرية التخلي عمّا تشكلاه من ثروة مائية.
اتفاقية أوسلو أعطت إسرائيل صلاحيات وجردت منظمة التحرير الفلسطينية من إمتيازات.
يقول الدكتور غسان محمود أحمد وشاح، كبير المؤرخين الفلسطينيين، إن أوسلو “قامت على مبدأ اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود على 78% من أراضي فلسطين، وعلى نبذ المنظمة (م.ت.ف.) المقاومة المسلحة وانتهاج نهج السلم والمفاوضات كحل وحيد لاسترداد الحق الفلسطيني”.
لا بد من التعمق في حقيقة تجهلها الغالبية العظمى من الشعوب العربية وهي تخلّي المنظمة بصفتها “الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني” عن الكفاح المسلّح ما أعادها إلى جزء من فلسطين، وهو الإمتياز الذي إحتفظت به حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين “حماس” كونها ليست عضواً في منظمة التحرير الفلسطينية.
كانت “حماس” بقيادة مؤسسيها الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي على علاقة ممتازة مع ياسر عرفات الذي وقّع على اتفاقية أوسلو بصفته رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية.
إتفاقية أوسلو أعطت “السلطة الوطنية الفلسطينية” حق تكوين جهاز شرطة لضبط الأمن “والإشراف على السجون” .
كما أعطت إتفاقية أوسلو الشرطة الفلسطينية صلاحية “توقيف من تعتقلهم في سجونها وعدم تسليمهم لإسرائيل.”
تعرفتُ على الدكتور الرنتيسي، رحمه الله وطيب ثراه، عندما كان مسؤولاً عن مخيم لفلسطينيين أبعدتهم إسرائيل إلى لبنان وإستقروا في منطقة “وادي العقارب” التابعة لمشاع بلدة مرج الزهور، المعتبرة مدخل جنوب لبنان من جهة سهل البقاع.
كان “أبو عمار” ينسّق علاقاته “السريّة” مع “حماس” عبر مواطن فلسطيني يعتمد طبيب الأطفال الرنتيسي معالجاً لأولاده، يرسل معه الرسائل إلى الرنتيسي والشيخ ياسين ويتلقى عبره الأجوبة، ويتفادى أي علاقة معلنة مع أي من قيادات حماس.
لم تكن علاقة عرفات بإسرائيل سلسة، وكان يحتاج أحياناً إلى إزعاجها لدفعها إلى تنفيذ مطلب له، لكنه لم يكن قادراً على الإزعاج كونه مقيّداً بإتفاقية أوسلو التي علّقت الكفاح المسلح، فأرسل مع أبو الأطفال رسالة إلى الرنتيسي لترتيب لقاء مع الشيخ ياسين أثناء قيام كل منهما بتقديم واجب العزاء لأحد وجهاء رام الله.
وفي اللقاء المختصر بين الشيخ وأبو عمار الذي لم يستغرق أكثر من عشر دقائق قال عرفات جملة واحدة “عاوز عملية يا شيخ.”
ورد الشيخ أيضاً بجملة واحدة: “الجواب مع أبو الأطفال عشان تلاقيهم الدورية”.
الدكتور الرنتيسي سلّم الجواب “لأبو الأطفال” الذي نقله لعرفات، وزوده عرفات باسم قائد الدورية التي “ستلاقي المجموعة وتعتقل عناصرها الثلاثة في سجنها الفلسطيني، وفق ما ذكره لي مسؤول أمني فلسطيني رفيع جاء إلى لبنان في مهمة خاصة في العام 2002.
وأضاف: “كانوا في النهار في السجن وليلاً في بيوتهم عند أهاليهم. ثلاثتهم كانوا عازبين وطلب منهم عدم الزواج خلال فترة الإعتقال لتفادي الرقابة الإسرائيلية.”
إسرائيل قررت إستخدام حماس، فإغتالت الشيخ أحمد ياسين في 22 آذار العام 2004، والدكتور الرنتيسي في 17 نيسان العام 2004، وعرفات الذي أُعلنت وفاته مسموماً في مستشفى بيرسي العسكري بباريس في 11 تشرين الثاني العام 2004.
فلسطين بعد الشيخ أحمد ياسين، والدكتور الرنتيسي وعرفات
بعد أقل من شهرين انتخب محمود عباس في 9 كانون الثاني العام 2005 ليشغل منصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية لولاية مدتها 4 سنوات لكنه مدد ولايته سنة بعد سنة بموجب دستور منظمة التحرير الفلسطينية حتى 16 كانون الأول العام 2009 عندما إنتخبه المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيساً “إلى أجل غير مسمى”.
في العام 2006 فازت “حماس” بالإنتخابات الفلسطينية وشكلت في العام 2007 حكومتها الأولى في غزة برئاسة إسماعيل هنية الذي أعلن سلخ القطاع عن الضفة الغربية بعد سلسلة معارك تم خلالها قتل المئات من عناصر فتح الذين رفضوا المشاركة في حكومة حماس، وتم إلقاء عناصر الأمن التابعين للسلطة عن أسطح الأبنية والأبراج، ولا يوجد إحصاء دقيق عن عدد قتلى السلطة الوطنية في المجازر التي إرتكبتها “حماس” بغزة.
في هذه الأثناء أرسل هنية وزير خارجيته محمود الزهار إلى إيران لتأمين رواتب ونفقات تشغيل القطاع بموظفين جدد بعد فصل أو قتل أو هروب موظفي السلطة.
كشف الزهار في مقابلة مع قناة العالم الإيرانية أنه التقى الرئيس محمود أحمدي نجاد وقدّم له عدة مطالب فأحاله إلى قائد فيلق القدس قاسم سليماني.
وقال إنه في لقائه والوفد المرافق مع سليماني “ذكرنا أنّ المشكلة الأساسية عندنا هي في رواتب الموظفين والحالات الاجتماعية والمساعدات التي يجب أن تقدم للجمهور، في وقت فرض فيه علينا الحصار بعد نجاحنا في الانتخابات”.
وشدد الزهار على أنّ “الاستجابة كانت فورية، حيث كنت على موعد في اليوم التالي للسفر في الطائرة، فوجدت 22 مليون دولار في حقائب موجودة في المطار”.
وأضاف: “كان الاتفاق على مبلغ أكثر من ذلك، ولكن كنا 9 أشخاص لا نستطيع أن نحمل أكثر من ذلك، حيث كانت كل شنطة تزن 40 كلغ”.
إسرائيل سمحت للزهار ومرافقيه بإدخال المبلغ إلى غزة، ليس لأنها حليفة إيران كما يعتقد البعض بل لأنّ إسرائيل تستفيد من تقوية “حماس” على نفقة إيران في غزة لإضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح في الضفة الغربية.
وهذا ما حصل فعلاً فصارت “حركة المقاومة الإسلامية” المزعومة أداة لإيران في غزة وحيثما وجدت حتى أوصلت القطاع إلى البؤس الذي هو فيه الآن وتسببت بتحويل ما تبقى من سكانه إلى سلعٍ يشتريها المهتم بتشغيلها ويؤمن لها مساكن ودكاكين ومستوصفات وأجهزة صرّاف آلي وبنية تحتية لتكون الأيدي العاملة في “ريفيرا الشاطئ الجميل” الموعود وعمال منصات إستخراج ثروات البحر الأبيض المتوسط.
وبقيت حماس، الملتحقة بتنظيم الأخوان المسلمين في مصر بعد اغتيال الشيخ ياسين والرنتيسي، تدير غزة حتى أنهى قائد الجيش المصري الفريق أول عبد الفتاح السيسي حكم الأخوان في 3 تموز العام 2013 واعتقل الرئيس الأخواني المنتخب محمد مرسي الذي أخضع للمحاكمة بعد إعلان تنظيم الأخوان حركة إرهابية، وتوفي لاحقاً من أزمة قلبية داهمته وهو في قفص الإتهام بالمحكمة.
وبقيت حماس تدير غزة بالتعاون الوثيق مع إيران إلى أن شنت في 7 تشرين الأول العام 2023 بناء على تعليمات الحرس الثوري الإيراني ما أطلقت عليه تسمية “طوفان الأقصى” الذي توالت ارتداداته العكسية حتى أوصلت القطاع إلى البؤس الذي يعيشه بعدما قارب عمره، الذي نسأل الله ألا يكون طويلاً، السنتين رأفةً بسكان القطاع المعذبين.
تدربت حماس على عملية “طوفان الأقصى” في إيران بعيداً عن مراقبة المراصد الإسرائيلية، ونفذتها بناء على رأي وتوجيه إيران لتكون عنواناً للمصالحة بين الطرفين بعد حالة التباعد التي مارستها حماس لدعمها الثورة السورية مقابل دعم إيران وحزب الله نظام الأسد ضد الثورة التي شاركت فيها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا.
وشنت حماس عمليتي قصف كثيف من غزة على إسرائيل في العامين 2012 و 2014 ما أربك حركة أذرع إيران في بلاد العرب نتيجة الرد الناري الإسرائيلي الكثيف، ما أزعج نظام الولي الفقيه.
وبقيت إيران تدير “حماس” في غزة حتى أغار سلاح الجو الإسرائيلي في 9 أيلول الجاري على أحد منشآت حماس في الدوحة ما تم الرد عليه بمؤتمر قمة عربي-إسلامي شاركت فيه إيران برئيسها على الرغم من أنها كانت قد قصفت قطر في 23 حزيران الماضي رداً على القصف الأميركي لإيران.
مشاركة الرئيس الإيراني في القمة العربية-الإسلامية أزعجت الغرب عموماً وأدت إلى “امتعاض صامت” لدى عدة دول عربية رأت أنها قد تؤدي إلى “إعادة اعتبار” للدور الإيراني في دول الهلال، لبنان-سوريا-الأردن-العراق، ما يمكن أن ينعكس سلباً على خطة الجيش اللبناني لنزع سلاح حزب الله وعلى الجهود المبذولة أميركياً لترتيب إتفاقية بين سوريا وإسرائيل لوقف التدخل الإسرائيلي في الوضع السوري والمحافظة على وحدة سوريا.
فهل ستكون “حماس” وشراذم التحالف الأسدي-الفارسي البائد هي العائق الذي سيقف في وجه تعافي لبنان وسوريا؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() لبنان خارج المقايضة بين أربع دول! | ![]() لبنان بين الأسرلة والأيرنة | ![]() أم المصائب |