موازنة 2026: الناس أولًا أم الأرقام؟

الموازنة لا تُعالِج مشكلة الدين العام وتداعياته، ولم تأخذ في الاعتبار مستحقّات الدولة العراقية على لبنان من الفيول والتي تُناهز قيمتها مليارَيْ دولار أميركي. وتجاهلت أيضًا مطالب صندوق النقد الدولي بإعادة هيكلة القطاع العام بمؤسّساته وموظّفيه.
كتب أنطوان سعادة لـ”هنا لبنان”:
انطلاقًا من النقاشات الدائرة داخل مجلس الوزراء حول موازنة العام 2026، يتّضح أنّ البحث يتركّز على كيفية موازنة الإيرادات مع النفقات لتفادي أي عجز جديد، مع التشديد على تأمين الموارد الكافية لتغطية رواتب الموظفين والعسكريين في الخدمة والمتقاعدين. وقد ترافقت هذه الجلسات مع مداخلات مستفيضة من الوزراء الذين عرضوا حاجات وزاراتهم وطرحوا تعديلات على بعض البنود والأرقام، في انتظار استكمال النقاشات وصولًا إلى صياغة نهائية للموازنة.
موازنة لبنان للعام 2026 تُظهر محاولة لتعزيز إيرادات الدولة، إذ يُتوقع أن تصل إلى 505.7 تريليونات ليرة أي 5.6 مليارات دولار، أي بزيادة حوالي 13.6% مقارنةً بعام 2025. الجزء الأكبر من هذه الزيادة يأتي من الضرائب، التي تشكّل حوالي 82% من مجموع الإيرادات، ما يعكس جهود الحكومة لتحسين التحصيل الضريبي بعد سنوات من التراجع.
من جهةٍ أخرى، تستحوذ النفقات الجارية على نحو 89% من إجمالي الميزانية، مع تركيز كبير على الرواتب والمخصّصات، والتحويلات، والمنافع الاجتماعية. وهذا يعني أنّ الموازنة في الأساس تهدف إلى ضمان الصمود الاجتماعي والإداري أكثر من التركيز على مشاريع استثمارية أو تنموية. وعلى الرغم من هذه المحاولات، لا تزال الحكومة تواجه تحدّيات كبيرة في جمع الإيرادات وإدارة الدين العام، ما يجعل تطبيق الموازنة على أرض الواقع مهمة صعبة.
وفي هذا السياق، أكّد البروفيسور جاسم عجاقة، الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي، في حديثه لموقع “هنا لبنان”، أنّ ثلاثة بنود رئيسية — الرواتب، والمنافع الاجتماعية، والتحويلات — تُشكّل معًا أكثر من 75% من النفقات الجارية، أي أنّ الموازنة غير قادرة على الإنفاق على التنمية والاستثمار، بل تقتصر على الصمود الاجتماعي والإداري. وأضاف أنّ ترحيل كلّ قوانين البرامج من 2026 إلى 2027، باستثناء بعض المشاريع، يؤكّد أن الهدف ليس إعادة الإعمار أو تطوير البنية التحتية، بل إيقاف الانهيار.
وأكّد عجاقة أنّ القدرة على التحصيل الضريبي تبقى العامل الحاسم، فمِن دون تحقيق الإيرادات ستتحوّل النفقات إلى عجز جديد ودَين متراكم. واعتبر أن الموازنة لا تُعالِج مشكلة الدين العام وتداعياته، سواء من ناحية سندات اليوروبوندز أو الدين الداخلي المرتبط بأموال المودعين. كما لفت إلى أنّها لم تأخذ في الاعتبار مستحقّات الدولة العراقية على لبنان من الفيول والتي تُناهز قيمتها مليارَيْ دولار أميركي. وأشار إلى أنّها تجاهلت أيضًا مطالب صندوق النقد الدولي بإعادة هيكلة القطاع العام بمؤسّساته وموظفيه. وشدّد على أن الأهمّ يبقى غياب قطوعات الحساب عن السنوات الماضية (2004–2024)، الأمر الذي يقوّض المصداقية ويُعيق أي محاولة لإعادة التوازن المالي على المدى البعيد.
وختم عجاقة بالقول إنّ الموازنة شهدت خطوةً كبيرةً نحو تحسين إيرادات الدولة، إلّا أنّ النظر إلى النفقات يُظهر أنّها ليست كافيةً للخروج من الأزمة، خصوصًا أنّ لها طابعًا اجتماعيًا أكثر من أيّ شيء آخر، نتيجة التخبّط السياسي وثمن السياسات المالية التي يُخفيها غياب قطوعات الحساب.
وبعد أن تُنهي الحكومة مناقشة مشروع الموازنة وتقرّه في مجلس الوزراء، يُحال إلى مجلس النواب حيث تتولّى لجنة المال والموازنة دراسته بشكلٍ تفصيليّ، مع إمكانية إدخال تعديلات على بنوده. ثم يُرفع إلى الهيئة العامة لمجلس النواب للتصويت عليه وإقراره بشكل نهائي، ليُصبح قانونًا نافذًا يحدّد السياسة المالية للدولة للعام المقبل.