حين يتكلم لبنان الدولة… تصمت دويلة السلاح!

الواقع يَشي بأنّ الحزب يسعى إلى خطف دور لبنان الرسمي وتقديم نفسه بديلًا عنه، فيما الحقيقة أنّ مشروعه بات عبئًا على الداخل والخارج معًا. فالمقاومة لم تجلب سوى الخراب للبنان وغزّة وسوريا واليمن، ودفعت شعوب المنطقة إلى النزوح والتشريد.
كتب طوني كرم لـ”هنا لبنان”:
تنطلق الدورة الثمانون للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك وسط أجواء مشحونة دوليًا وإقليميًا. العناوين الكبرى حاضرة وستتصدّرها في الشرق الأوسط “مستقبل” غزة، وأمن إسرائيل، بعد أحلام إيران النووية، وترقّب الاتفاق السوري – الإسرائيلي على هامش اللقاءات الرسمية.
في هذا المناخ، تتّجه الأنظار إلى مشاركة رئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون، الذي اختار أن تُشَكِّلَ خطاباته منذ اليوم الأول لدخوله المعترك السياسي، خريطة طريق واضحة لإرساء معالم قيام الدولة الفاعلة في لبنان. وسيعتلي المنبر الأممي من باب مختلف، حاملًا طرحًا متقدمًا لمبادرة سلام جريئة تُعيد لبنان إلى موقعه الطبيعي لاعبًا في صناعة مستقبل المنطقة، لا رهينة دويلة السلاح ومشاريعها التدميرية.
خطاب يستند إلى الميثاق
وانطلاقًا من العنوان العريض الذي طرحته السيدة أنالينا بيربوك، رئيسة الدورة الثمانين للجمعية العامة، “معًا أفضل: 80 عامًا وأكثر من أجل السلام والتنمية وحقوق الإنسان”؛ سيستند الرئيس عون إلى مقاصد الأمم المتحدة التي نصّت على “إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب”، ليستكمل رسائله الحازمة التي توجَّهَ بها من قطر إلى حكومة إسرائيل، إنّما من على أعلى منبر أممي ليشدّد على أنّ ساعة الجرأة حانت.
لا تسويات آنية ولا خطابات رمادية، بل دعوة صريحة إلى “سلام الشجعان”، سلام قائم على مبادرة السلام العربية (2002) التي تحوّلت إلى “إعلان نيويورك”، وثبّتتْها الجمعية العامة قبل أيام بأغلبية 142 دولة. ومن هذا المنطلق، سيجدّد الرئيس جوزاف عون وضع لبنان في صلب الخريطة لا على هامشها، مؤكّدًا أنّ لبنان لن يرتضي الإبقاء على أي شبرٍ من أراضيه مجرّد خط تماس بين إسرائيل والميليشيات المسلحة، بل يريد لبنان، الدولة المؤسِّسة للأمم المتحدة، أن يكون شريكًا في رسم مستقبل المنطقة وسلامها.
خطف اغتيال إسرائيل للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله المشهد من كلّ النقاشات التي شهدتها المنظمة الأممية في دورة 2024. أمّا اليوم، فالأولويات، لا بل الحضور، مختلف. الرئيس الأميركي الساعي إلى حصد جائزةِ نوبل للسلام ووضع حدٍّ للحروب المستعرة سيتصدّر المشهد. لم تمنح الولايات المتحدة تأشيرة دخول للرئيس الفلسطيني محمود عباس للمشاركة، على الرَّغم من حضور القضية الفلسطينية بقوة، من خلال عقد “المؤتمر الدولي الرفيع المستوى لتسوية قضية فلسطين بالوسائل السلمية وتنفيذ حلّ الدولتَيْن”، الذي ترأسه فرنسا والمملكة العربية السعودية في 22 أيلول في مقر الأمم المتحدة.
ومع محاولة “تغييب” فلسطين عن اللقاءات الأممية، سيكون لافتًا انتزاع إسرائيل، لا بل إعادة إحياء اتفاقية أمنية مع سوريا خلال لقاء مرتقب بين رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو والرئيس السوري أحمد الشرع، وما قد يليه من تفاهمٍ أمني – سياسي يُعيد خلط الأوراق في الشرق الأوسط.
في ظلّ هذه التحولات، تكمن أهمية حضور الرئيس جوزاف عون وتأكيده أن لبنان لا يقبل أن يكون “ورقةً محروقةً” في بازار التفاهمات، بل طرفًا فاعلًا يملك رؤيته لمستقبل المنطقة وسلامها، انطلاقًا من خريطة الطريق التي أرست أولى معالمها المملكة العربية السعودية.
الدولة في مواجهة الدويلة
توازيًا، يكشف الداخل اللبناني التناقض الصارخ. ففيما يستعدّ الرئيس ليقدّم خطاب الدولة، يواصل حزب الله عبر الشيخ نعيم قاسم تكريس خطاب الدويلة، بمحاولات بائسة لتعويم دور “المقاومة” ونسج علاقات تُخرجه مما تبقّى له من أنفاق، وطلب الحوار مع السعودية، مُتجاوزًا قرارات الدولة اللبنانية نفسها.
ووِفق المطلعين، تعدّ محاولات حزب الله يائسةً في ظلّ وضوح موقف المملكة، وعدم تعاملها مع ميليشيات، ورهانها فقط على قيام الدولة ومؤسّساتها الشرعية. كما أنّ الواقع يَشي بأنّ الحزب يسعى إلى خطف دور لبنان الرسمي وتقديم نفسه بديلًا عنه، فيما الحقيقة أنّ مشروعه بات عبئًا على الداخل والخارج معًا. فالمقاومة التي يتغنّى بها الشيخ نعيم، لم تجلب سوى الخراب للبنان وغزّة وسوريا واليمن، ودفعت شعوب المنطقة إلى النزوح والتشريد.
بين الرئيس جوزاف عون الذي يرفع في الأمم المتحدة لواء الدولة و”سلام الشجعان”، ونعيم قاسم الذي يواصل محاولاته لتعويم دويلة حزب الله، يقف لبنان عند مفترق مصيري. الرئيس يريد أن يكون لبنان جزءًا أساسيًا من مستقبل المنطقة وسلامها، أمّا الشيخ نعيم فيحاول تعويم دويلة الحزب و”محور المقاومة” الذي لم يجلب سوى الخراب.
وفي زمنٍ تتقاطع فيه الحروب مع التسويات الكبرى، سيبدو واضحًا أنّ صوت لبنان الدولة أقوى من أي وقتٍ مضى، وأنّ العالم مدعوّ لدعمه إذا كان فعلاً يريد “سلام الشجعان”، انطلاقًا من المبادئ التي قامت عليها الأمم المتحدة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() وهم “الانتصارات”: خيارٌ ضائع أم انفجارٌ وشيك؟ | ![]() السلام المفقود… هل يعيده “إعلان نيويورك”؟ | ![]() من يحمي اللبنانيين من فوضى التخوين؟! |