انهيار مخزون المياه: لبنان على شفير أزمة شرب ومياه معدنية!

أزمة المياه اليوم لم تعد قضية خدمية أو بيئية فحسب، بل تحوّلت إلى تحدٍّ وجودي يتطلب استنفارًا وطنيًا قبل أن نصل إلى نقطة اللاعودة.
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
في ظلّ التغيّرات المناخية الحادة وتراجع الموارد الطبيعية، تدخل البلاد مرحلةً حرجةً من أزمة مائية تتفاقم يومًا بعد يوم، مهدّدةً بشكل مباشر أمن مياه الشرب.
وبينما كان القلق سابقًا محصورًا بالمياه المنزلية، فإن دخول المياه المعدنية المعبّأة على خط الأزمة، والتي يعتمد عليها شريحة واسعة من السكان، أطلق ناقوس خطر جديد بشأن مستقبل المياه في لبنان.
أزمة المياه… واقع يتجاوز التحذيرات
تشير تقارير رسمية إلى أنّ معدلات المياه في السدود والآبار الجوفية انخفضت إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات، نتيجة تراجع الهطولات المطرية، وتأثّر مصادر المياه الجوفية، وغياب السياسات المستدامة في بعض المناطق.
وفي تصريح خاص لموقع “هنا لبنان”، أكد مصدر في وزارة الطاقة والمياه أن “المخزون الاستراتيجي للمياه يواجه ضغطًا فعليًا، والوزارة تعمل على وضع خططٍ لتقنين التوزيع وترشيد الاستهلاك ضمن جميع القطاعات، لتفادي الأسوأ خلال الفترة المقبلة”.
شركات المياه المعبّأة على المحك
بالتوازي مع تراجع الموارد، أطلقت شركات إنتاج المياه المعدنية تحذيرات من انخفاض كبير في مخزوناتها. وأكّدت بعض الشركات أن الكميات المتاحة قد لا تكفي لأكثر من شهر إلى شهرين في حال استمرار الطلب الحالي.
وقالت إحدى الشركات الكبرى في تصريح لـ “هنا لبنان”: “نواجه صعوبات حقيقية في تأمين المياه الخام النقيّة اللازمة للتعبئة. نسعى مع الجهات الرسمية لإيجاد حلول مستدامة، لكنّ الوضع يتطلب وعيًا مجتمعيًا وترشيدًا فوريًا في الاستهلاك”.
الطلب يرتفع والأسواق تحت الضغط
التأثير الفوري للأزمة بدأ ينعكس في الأسواق المحلية، حيث سُجِّلَ ارتفاع مفاجئ في الطلب على المياه المعبّأة، ما تسبّب بنقص ملحوظ في بعض العلامات التجارية، وارتفاع أسعار بعض العبوات بنسبة فاقت 15% خلال أيام قليلة.
وخلال جولة لفريق “هنا لبنان”، قال أحد الموظفين في سلسلة متاجر كبرى: “الناس يشترون بكميات مضاعفة كما لو أن المياه ستنقطع كليًا. هذا الاندفاع المفاجئ يصعّب علينا تأمين الكميات المطلوبة يوميًا”.
كما أشار عدد من المواطنين إلى صعوبة إيجاد عبوات معيّنة في بعض المناطق، ما زاد من الهواجس، في وقتٍ يتراجع فيه المخزون المتاح لدى الموردين.
المضاربة والاحتكار… مخاوف مشروعة
وفي هذا الإطار، يحذّر خبراء اقتصاديون من تحوّل الأزمة إلى بيئة خصبة للمضاربة والسوق السوداء، خصوصًا مع استمرار غياب الرقابة الصارمة.
ويقولون: “في ظلّ غياب التدخل السريع، قد تظهر سوق موازية تسعى للاستفادة من الفوضى. التخزين بقصد المضاربة أخطر من التخزين بدافع الخوف، لأنه يهدّد استقرار السوق ويضرّ بالفئات الأكثر ضعفًا”.
ويشدّد الخبراء على أن “الأزمة الحالية تحتاج إلى رقابة فاعلة وتنظيم دقيق للأسواق قبل أن تنفلت الأمور”.
غياب الحملات التوعوية… تقصير واضح
على الرغم من تصاعد الأزمة، لم تُطْلَقْ أي حملات توعية رسمية أو مجتمعية حتى الآن، ما أثار موجة انتقادات من الإعلام والمواطنين على حدٍّ سواء.
ويرى مراقبون أن التوعية هي حجر الأساس في إدارة مثل هذه الأزمات، ويُطالبون بإطلاق حملات شاملة عبر الإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي تركز على: ترشيد استهلاك المياه في المنازل والمؤسسات، تجنّب التخزين المفرط الذي يؤدّي إلى حرمان الغير، الإبلاغ عن أي احتكار أو مضاربة بالأسعار”.
أزمة المياه: إنذار قبل الانفجار
في خضمّ هذه الأزمة، لا يمكن التعامل مع المياه كسلعة عادية. فهي اليوم قضية وطنية تتقاطع فيها البيئة والاقتصاد والصحة العامة.
وإذا استمرّت حالة الاستهلاك المفرط والتخزين العشوائي من دون تدخل فوري وفعّال من الدولة، فإنّ البلاد مهدّدة بأزمة أشمل من مجرد نقص موقت في المياه المعبأة.
أزمة المياه اليوم لم تعد قضية خدمية أو بيئية فحسب، بل تحوّلت إلى تحدٍّ وجودي يتطلب استنفارًا وطنيًا قبل أن نصل إلى نقطة اللاعودة.
“هنا لبنان” مستمرّ في متابعة تفاصيل الأزمة وتطوراتها، ناقلًا صوت الناس، ومسلّطًا الضوء على الثغرات والقصور، لأنّ الوقاية تبدأ من الشفافية، والمعالجة تبدأ من المحاسبة.