“الحزب”: على هذه الصخرة أبني فتنتي


خاص 24 أيلول, 2025

اختيار الروشة يحمل بعداً مزدوجاً: بُعد رمزي يستهدف قلب العاصمة وإثارة ردود فعل متباينة، وبُعد عملي يهدف إلى اختبار قدرة الدولة ومؤسساتها على الكلام والعمل، فقرار رفض تحويل معلم عام إلى منصة حزبية كان خياراً مدفوعاً بحسّ مسؤولية تجاه الحفاظ على الحيز المدني والعام، وفرض مبدأ أنّ الأماكن العامة لا يجب أن تتحول إلى ساحة صراع تستغلها قوى لفترات سياسية ضيقة

كتب أسعد بشارة لـ”هنا لبنان”:

تبدو المحاولة الأخيرة لإضاءة صخرة الروشة بصورة نصرالله وكأنها مسرحية محكمة الإخراج من قبل حزب الله لافتعال فتنة داخلية. ليست المشكلة بصورة هنا أو هناك، بل في النية الظاهرة لفرض مشهد سياسي واجتماعي لا يعكس الواقع ولا يعبّر عن إجماع شعبي. بعد إخفاقات في ساحة الحرب وتراجع قدرة الردع إلى حدودها، لا يجد الحزب سوى خلق مبررات لتعويض خسائره عبر إعادة تشكيل المشهد الداخلي بالقوة الرمزية.

اختيار الروشة يحمل بعداً مزدوجاً: بُعد رمزي يستهدف قلب العاصمة وإثارة ردود فعل متباينة، وبُعد عملي يهدف إلى اختبار قدرة الدولة ومؤسساتها على الكلام والعمل. القرار الذي اتخذه الرئيس نواف سلام لرفض تحويل معلم عام إلى منصة حزبية كان خياراً مدفوعاً بحسّ مسؤولية تجاه الحفاظ على الحيز المدني والعام، وفرض مبدأ أنّ الأماكن العامة لا يجب أن تتحول إلى ساحة صراع تستغلها قوى لفترات سياسية ضيقة.

الخطر الحقيقي يكمن في أن تتحوّل هذه الحوادث إلى شرارة لفتنة أوسع. عندئذٍ لا تعود المسألة مجرد صور، بل تتبدّل إلى مشروع لإلغاء المسار الدستوري، بما في ذلك تعطيل أو إلغاء الاستحقاق النيابي لعام ٢٠٢٦ أو النيل من المؤسسات الإعلامية والمدنية. مثل هذا المسار يقود البلد إلى مزيد من الاستقطاب وفقدان الثقة المتبادل، وربما إلى مواجهات داخلية يصعب احتواؤها.

على القوى السياسية والمدنية والمسؤولين الحكوميين أن يتعاملوا بحكمة وحزم مع أي محاولة لفرض واقع جديد بالقوة أو بالترهيب الرمزي. حفظ السلم الأهلي يتطلب تطبيق القانون على الجميع، وإعلاء مبدأ الحيادية للأماكن العامة، وتعزيز قنوات الحوار التي تقلل من احتمال التصعيد. كما أنّ المجتمع المدني ووسائل الإعلام الحرة مدعوّون لتحمل مسؤولياتهم في فضح محاولات التجييش وإعادة إنتاج سرديات مزوّرة عن «إجماع» غير موجود.

المجتمع الدولي والوسطاء الإقليميون لا يمكنهم البقاء متفرجين أمام مسارات داخلية تهدّد استقرار لبنان. الضغط الدبلوماسي يجب أن يوازيه موقف داخلي موحّد يدين أي إخلال بالنظام العام ويطالب بالتحرّك القانوني ضد أي جهة تتجاوز الصلاحيات. على مؤسسات الدولة الأمنية والقضائية أن تعمل بشفافية وأن تُظهر أنها قادرة على الحماية دون تمييز، لأنّ فقدان مصداقية هذه المؤسسات سيترك فراغاً تستغله القوى المسلحة والسياسية.

أخيراً، تبقى المعادلة واضحة: الاستقرار والحياد في الأمكنة العامة والالتزام بالمسار الديمقراطي يَفُوقان أي مكاسب رمزية. مواجهة محاولات الفتنة تتطلب رؤى واضحة وإجراءات عملية لحماية الوطن من انزلاق نحو الفوضى.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us