لبنان على شفير الحرب… نزوح أهالي الجنوب والضاحية إلى المناطق الجبلية!

اللبنانيون، الذين خبروا مرارات الحروب السابقة، يتصرّفون اليوم ببراغماتية أكبر: لا ينتظرون القصف ليهربوا، بل يستبقونه بمنازل بديلة و”غربة داخلية” يرون فيها الحدّ الأدنى من الطمأنينة.
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
يشهد لبنان في هذه المرحلة توتّرًا متصاعدًا يضعه أمام واحد من أكثر المشاهد حساسيةً منذ سنوات. فالتقاطع بين التصريحات الأميركية الحادّة والتهديدات الإسرائيلية المباشرة أعاد فتح الجراح القديمة وأحيا المخاوف الشعبية من اندلاع مواجهة جديدة قد تكون أثقل كلفةً من كل ما سبق. فخطاب واشنطن الأخير لم يقتصر على لغة الضغط السياسي المعتادة، بل حمل نبرةً هجوميةً غير مسبوقةٍ حين دعا بشكل صريح إلى نزع سلاح “حزب الله” بالقوة، ملوّحًا بأن الجيش اللبناني قد يُكلَّف بتنفيذ هذه المهمة. هذا الطرح فُسّر في بيروت كرسالة خطيرة، كونها تضع المؤسّسة العسكرية في قلب صراع داخلي ـ إقليمي، وتفتح الباب أمام سيناريوهات يصفها كثيرون بـ”الكارثية”.
ردود الفعل في الداخل جاءت متباينةً، لكنّها كشفت حجم الانقسام السياسي. رئيس مجلس النواب نبيه بري استخدم لغةً قاسيةً للتعبير عن رفضه، مؤكّدًا أن الجيش “ليس بوابة أمنٍ لإسرائيل”، ومشدّدًا على أنّ أي محاولة لتوريطه في مواجهة داخلية ستعني انهيار الاستقرار. في المقابل، آثر رئيس الحكومة نوّاف سلام التهدئة، فاختار خطابًا دبلوماسيًا هادئًا، معبّرًا عن استغرابه من لهجة واشنطن، ومؤكدًا في الوقت نفسه أن الخيار الوحيد للبنان يبقى التمسّك بالقنوات السياسية والحوار الدولي، بعيدًا عن أي منزلق عسكري.
ومع تسارع الأحداث، لم يقتصر ارتداد الأزمة على السياسة والخطاب الرسمي، بل تسلّل مباشرةً إلى حياة الناس اليومية. في الضاحية الجنوبية وفي قرى الجنوب، تتزايد مشاعر القلق إلى حدّ يدفع عائلات بكاملها إلى النزوح نحو المناطق الجبلية بحثًا عن ملاذ آمن. الظاهرة تبدو جليةً في عاليه وبحمدون وبلدات الشوف والمتن، حيث تنشط مكاتب العقارات بشكلٍ غير مسبوق.
وسطاء محلّيون يتحدّثون عن طلبٍ هائلٍ على الشقق والمنازل، بعضها يُستأجر لأشهرٍ قليلة بعقود مسبقة الدفع، فيما لا يتردّد آخرون في عرض مبالغ إضافية فقط لضمان مكانٍ يؤويهم إذا اندلعت المواجهة. هذا الواقع رفع أسعار الإيجارات بسرعةٍ لافتةٍ تجاوزت 20% في بعض المناطق، لتتحوّل الجبال عمليًا إلى “مخيم وقائي” يسبق أي انفجار محتمل.
اللّافت أنّ هذه الحركة لا تعكس فقط خوفًا آنيًا من التصعيد العسكري، بل تكشف أيضًا عن تحوّل عميق في وعي الناس. اللبنانيون، الذين خبروا مرارات الحروب السابقة، يتصرّفون اليوم ببراغماتية أكبر: لا ينتظرون القصف ليهربوا، بل يستبقونه بمنازل بديلة و”غربة داخلية” يرون فيها الحدّ الأدنى من الطمأنينة. وفي بلدٍ أنهكته الانهيارات المالية والسياسية، صار الأمن الشخصي أوْلى من أي اعتبار آخر.
يبقى السؤال المحوري: هل سيُترجم هذا التصعيد الأميركي ـ الإسرائيلي حربًا شاملةً على أرض لبنان، أم أنّ هامش الدبلوماسية لا يزال قادرًا على كبح الانفجار؟ الاحتمالات مفتوحة، والضبابية تسيطر على المشهد. لكن المؤكّد أنّ البلاد تقف عند منعطف حاسم، وأنّ شعبها، المرهق بالأزمات، يختار اللجوء إلى الجبال بحثًا عن هدنة شخصية في مواجهة العاصفة المقبلة. وفي ظلّ غياب الإجابات الحاسمة، يبقى الخوف سيد الموقف، فيما يترقّب اللبنانيون مصيرهم بين صدى التهديدات وحنينهم إلى الاستقرار المفقود.