“إنكربت” تبتز المواطنين بـ”وقاحة”…فضيحة جديدة تهزّ الرأي العام!


خاص 29 أيلول, 2025

باسم “التحول الرقمي”، صار المواطن رهينة لدى شركة خاصة تتحكّم بمصيره أكثر من الدولة نفسها، وبالتالي لا شفافية، ولا عدالة، ولا حتّى منطق، بل سوق سوداء مشرعنة تُدار من خلف الكواليس، فيما الدولة تغطّ في سبات عميق

كتبت كارين القسيس لـ”هنا لبنان”:

تقف شركة “إنكربت” كواحدة من أكثر الأمثلة “وقاحةً” على كيفيّة اختطاف مؤسسة عامّة وتحويلها إلى صندوق جباية خاص، فالشركة التي دخلت إلى مصلحة تسجيل السيارات والآليات – النافعة – بحجة “التطور الرقمي والتحديث”، لم تكتفِ بوضع يدها على النظام، بل وضعت يدها في جيب كل مواطن لبناني.

لم تعد “النافعة” إدارة رسميّة، بل فرعاً تابعاً لشركة “إنكربت”، تدير المنصات، وتبيع المواعيد، وتحتكر الطوابع، وتفرض رسوماً إضافيّة على كل إجراء، من دون حسيب ولا رقيب، إذ باسم “التحول الرقمي”، صار المواطن رهينة لدى شركة خاصة تتحكّم بمصيره أكثر من الدولة نفسها، وبالتالي لا شفافية، ولا عدالة، ولا حتّى منطق، بل سوق سوداء مشرعنة تُدار من خلف الكواليس، فيما الدولة تغطّ في سبات عميق…أو تتواطأ.

من قلب هذا المستنقع، تكشف مصادر داخل النافعة لـ”هنا لبنان” تفاصيل ما يجري داخل الكواليس، من حقائق صادمة، وأساليب استغلال ممنهجة، إلى وقائع تُدين كل من يشارك أو يصمت، فما سترونه ليس مجرّد خلل إداري، ولكن بالأحرى تحالف بين الفساد الرسمي والاحتكار الخاص، يدفع ثمنه المواطن يومياً من وقته، وماله، وكرامته.

كل شيء يبدأ من المنصة الإلكترونيّة، فبحسب المصادر، فإنّ الأخيرة تُفتح لدقيقة واحدة، وأحياناً أقل، وتُقفل في وجه آلاف المواطنين الذين ينتظرون دورهم، والمواطن العادي لا يستطيع اللحاق بها، فيضطر لدفع ما بين 20 و30 دولاراً لأشخاص “محترفين” في الحجز الإلكتروني، أي أنّها سوق سوداء قائمة، لا تختلف عن تهريب البنزين أو الدواء، وربّما أكثر تنظيماً ووقاحة، ففي الداخل، منصتان: واحدة لأصحاب العلاقة، والأخرى للوكلاء المعتمدين.

ما الفرق…؟!

الأولى أشبه بطابور أمام باب ضيق، والثانية مفتوحة فقط لأصحاب النفوذ، فالمواطن العادي لا يملك وسيلة للوصول إليها، فيضطر للمجازفة بوقته، وعمله، وماله، وبالتالي فإنّ العديد من الأساتذة والمدراء وأصحاب الشركات الصغيرة يشكون من اضطرارهم لترك دوامهم، وتعطيل أعمالهم، فقط لأنهم لا يستطيعون الحصول على موعد.

أمّا المركبات القديمة، فقصتها مأساة إضافيّة، أي مركبة تجاوز عمرها الثلاثين عاماً يجب إحضارها إلى مركز الدكوانة فقط لإجراء كشف فني وتسعير، أي أنّه ممنوع على الفروع في المحافظات أن تقوم بهذه المهمة، رغم امتلاكها للمعدات والخبرة البشرية اللازمة.

المشكلة لا تنتهي هنا…

لجنة الكشف المخصصة في الدكوانة غالباً ما تكون من العسكريين، يفتقرون للخبرة الفنية اللازمة لتقدير قيمة السيارات أو تحديد حالتها التقنية، فالموظفون المدنيون، أصحاب الخبرة، مستبعدون من هذا الإجراء من دون سبب واضح، حيث إنّ المواطن القادم من عكار أو بعلبك أو النبطية يُجبر على جرّ سيارته إلى العاصمة، ويتكبّد مصاريف بنزين، وميكانيكي، ونقل، وانتظار لساعات، فقط من أجل توقيع بسيط.

وتُشدّد المصادر لموقعنا على أنّ استلام دفتر السيارة، الذي يُفترض أن يكون بديهياً، تحوّل إلى مهمة شبه مستحيلة، فبعد انتهاء المعاملة، يُطلب من المواطن حجز موعد جديد فقط لاستلام دفتره، وإذا لم يتمكن من الحضور، فعليه تنظيم تفويض لدى كاتب العدل، وتقديمه للحصول على موعد بالوكالة، وبالتالي السرقة تكمن هنا، بين رسوم التفويض وحجز الموعد، قد تكلّف المواطن نحو 50 دولاراً فقط ليستلم دفتراً دفع ثمنه سابقاً، والمفارقة أنّ هذا الإجراء لم يكن موجوداً سابقاً، وقد تم “اختراعه” ضمن الفوضى الإدارية التي ترافقت مع دخول “إنكربت” كشريك في المنصة.

وتتسع الكارثة مع ملف الشاحنات العاملة على المازوت، والتي تم استبدال محركاتها، إذ عند الكشف الفني، يتم رفض المعاملة بحجة أنّ المحرّك غير مسجّل جمركياً، عندها لا يستطيع المواطن الاستمرار في المعاملة، ولا يستطيع حتّى الرجوع إلى الخلف، وبالتالي لا “النافعة” تحل، ولا إدارة الجمارك تستجيب، ففي النتيجة، يصبح المواطن “غير قانوني”، يُخاطر يومياً بالحجز، والغرامة، والتوقيف، فقط لأنه عالق بين إدارتين لا تتكلمان…ولا بد من لفت الانتباه على أنّ الغرامات هنا ليست رمزية، بل تتراوح بين 300 و500 دولار، أي ما يعادل نصف راتب موظف في أحسن الأحوال.

نهب بموافقة الإدارة!

كل ما سبق لا يُقارن بما وصفته المصادر بـ”الفضيحة الكبرى”، الفينيات، أي اللاصقة السنويّة التي توضع على الزجاج لتثبت أن الميكانيك قد دُفع، ففي السابق، كانت تُمنح مجاناً مع الدفع، أمّا الآن، فباتت تُباع بمليون ليرة لبنانيّة، تحتكرها شركة “إنكربت”، وتجني منها أرباحاً طائلة، والأخطر أنّ الفينيات تُطلب من المواطن مع كل معاملة جديدة، حتّى لو سبق واشتراها، أي أن المواطن نفسه، وعلى السيارة نفسها، قد يشتري فينيات مرتين أو ثلاث مرات خلال سنة واحدة، وبالتالي هذه ليست مجرّد مخالفة إدارية، بل عملية نهب مقونن تتم بموافقة ضمنية من الإدارة.

مثال واقعي يختصر المشهد…

مواطن سجّل سيارته، ودفع الميكانيك والفينيات، بعد يومين، اكتشف خطأ في دفتر السيارة، عندها قرّر العودة لتصحيحه، طُلب منه دفع مليون ليرة إضافيّة ثمن الفينيات مجدداً، لاصقتان في 48 ساعة، هذه الممارسات لا يمكن وصفها إلا بأنها استغلال فجّ وعلني، يُقابل بصمت كامل من وزارة الداخلية والجهات الرقابية.

المواطن اللبناني يعاني من نظام يعمل ضدّه، ومن إدارة تربكه بمنصات مغلقة، إلى موظفين يطلبون تفويضاً عن كل ورقة، إلى شركة خاصة تجني الأموال من الهواء، فيما الفروع في المناطق من دون صلاحيات، والموظفون من دون أدوات، والمواطن من دون خيار.

خلاصة هذا التحقيق تكشف تواطؤاً بنيوياً بين شركة خاصة وإدارة عامة، هدفه تحويل كل معاملة إلى فرصة للربح، وكل ورقة إلى مورد دخل، وكل تأخير إلى أداة ضغط، فشركة “إنكربت” صارت شريكة في القرار، تدير المنصة، وتتحكم بمواعيد المواطنين، وتحتكر إصدار الفينيات، وتُدرّ أرباحاً على حساب تعب المواطن، والدولة، بدلاً من أن تحاسب، تصمت، وبدل أن تنظّم، تتواطأ.

و المفارقة أنّ الحلول معروفة وبسيطة، منصة مفتوحة وشفافة تُدار من جهة حكومية مستقلة، وتوسيع صلاحيات فروع “النافعة” في المحافظات، ورقمنة حقيقية تخدم المواطن لا الشركة، وتحديد سقف قانوني واضح للفينيات والرسوم المرافقة، لكن هذه الحلول لا تُنفذ، لا بسبب التعقيد، بل لأنّ من يستفيد من الفوضى أقوى ممن يدعو للإصلاح.

هذا التحقيق يكشف عن وجوه مظلمة في إدارة مرفق عام يفترض أن يكون حقاً مضموناً لكل مواطن، فحين تتحوّل الخدمات من واجب على الدولة إلى أداة ابتزاز، ويتحوّل المواطن إلى هدف يستنزف أمواله ووقته من دون حساب، تصبح المنصات الرقمية ليست وسيلة تسهيل، إنّما حواجز جديدة تفرّق بين من يملك الوسيلة ومن لا يملك.

في المحصلة، تحوّل هذا المرفق العام إلى ماكينة ربح غير قانونية، بحسب ما أكّدته المصادر، حيثُ تحولت المنصات الرقمية إلى فخ للنصب والاحتكار، ورسالة صارخة لكل مواطن تتلذذ الدولة بإهانته، مفادها بأنّ القانون يُطبّق على الفقراء فقط، بينما الفساد يُمارس على “عينك يا تاجر”، والأسوأ من ذلك، أنّ من يُفترض بهم حماية حقوق المواطن متواطئون مع هذا العبث، ومسجلون في قائمة الخيانة الوطنية، وبالتالي، فإنّ الحلول متاحة وبسيطة، لكنّها ممنوعة لأنّ المستفيدين من هذه المهزلة أقوى من كل نداءات الإصلاح.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us