سوريا تحرّرت ولبنان بقي محتلًّا

تشتّت اللبنانيون بدلاً من أن يتوحدوا، ومات شعار “لبنان أولاً” انهار الإحتلال الأسدي البائد وتحررت سوريا وما زال الإحتلال الإيراني يمسك بلبنان من جنوبي الليطاني إلى الروشة، براً وبحراً
كتب محمد سلام لـ”هنا لبنان”:
معادلة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب المستمرة في غزة منذ سنتين تختصرها أربع كلمات هي: “غزة تبقى-حماس تزول”.
ليس سراً أنّ خطة ترامب لتحقيق سلام في الشرق الأوسط، المعززة بتعهده عدم السماح لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بضم الضفة الغربية، حظيت بتأييد واسع، عربي وإسلامي ودولي، ومن لم يؤيدها علناً أيدها ضمناً، ومن لم يؤيدها ضمناً إلتزم الصمت.
هذا لا يعني إطلاقاً وجود إجماع دولي على تأييد خطة ترامب، فقد عادتها كل دول اليسار، والأنظمة العلمانية، والأقليات العرقية والدينية كالشيعة والعلويين والفرس والأكراد، على سبيل المثال لا الحصر، وجميع الفرق الباطنية المتشعبة من الأديان الإبراهيمية الثلاثة كاليهود الصهاينة التلموديين، وشهود يهوه الخارجة عن الكنيسة، وكل الحركات الخارجة عن مبدأ التوحيد مثل الوثنية التي تعبد آلهة متعددة غير سماوية، والمانوية وهي ديانة ثنائية تعبد “إله النور وإله الظلام” نشأت في بلاد فارس في القرن الثالث على يد من عرف بالنبي ماني ويقتصر وجودها حالياً على مجموعة صغيرة في الصين. والزرادشتية التي وجدت في بلاد فارس في القرن الثاني قبل الميلاد وتقدس إلهين متنافسين لم يتبقَّ من أتباعها أكثر من 120 ألف شخص منتشرين في محافظتي يزد وكرمان الإيرانيتين ومدينة مومباي الهندية.
يبدو واضحاً مما سلف أنّ الأديان غير الإلهية نشأت في بلاد فارس بعد ولادة الدين المسيحي مع سيدنا عيسى عليه السلام ويعود عدم الإنسجام بين المسلمين السنّة ونظام الولي الفقيه إلى هذا الإختلاف أساساً.
في هذا الصدد يذكر أنّ المسلمين هتفوا ورقصوا عندما هزم الروم الفرس في معركة نينوى الحاسمة في 12 كانون الأول العام 627 لأن الروم كانوا من أهل الكتاب الذين اعتنقوا الدين المسيحي فيما الفرس كانوا من المشركين.
وأنهت المعركة التي قادها الإمبراطور البيزنطي هرقل الحرب الساسانية-البيزنطية التي استمرت من العام 602 حتى العام 628 ما أعاد الإمبراطورية الرومانية إلى حدودها في منطقة الشرق الأوسط وعزل الأمبراطورية الفارسية.
ويعود فرح المسلمين بانتصار أهل الكتاب الروم ليس فقط لأنهم هزموا المشركين الفرس بل لأن الانتصار كان قد وعد به الله في القرآن الكريم. إذ جاء في سورة الروم الآيات 2-5 قوله تعالى: “غُلِبَتِ ٱلرُّومُ (2) فِيٓ أَدۡنَى ٱلۡأَرۡضِ وَهُم مِّنۢ بَعۡدِ غَلَبِهِمۡ سَيَغۡلِبُونَ (3) فِي بِضۡعِ سِنِينَۗ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ مِن قَبۡلُ وَمِنۢ بَعۡدُۚ وَيَوۡمَئِذٖ يَفۡرَحُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ (4) بِنَصۡرِ ٱللَّهِۚ يَنصُرُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ (5)”.
وما زالت عِبَر إنتصار الروم على الفرس محفوظة في وجدان السنة عموماً ما يعكس إنعدام الثقة بالفرس (ولا نقول الإيرانيين) ويعبّر عن احترام أمة نبي الله عيسى المسيح عليه السلام.
وانعكست هذه العِبَر على الموقف السني عموماً، العربي وغير العربي، من معادلة ترامب “غزة تبقى-حماس تزول” كون حركة “حماس”، التي يفترض أنها فلسطينية-عربية-سنية، هي حليفة فارس، التي بشر الله بفرح المسلمين بهزيمتها.
وقد حاولت “حماس” تلطيف هذا الموقف السني عبر تضمين اسمين من غير الأعضاء في الحركة للائحة الـ 25 أسيراً فلسطينياً الذين تطالب إسرائيل بإطلاق سراحهم وهما القيادي الفلسطيني في حركة فتح مروان البرغوثي وأمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات على أمل إرضاء السنة ومنظمة التحرير الفلسطينية لأنّ الحماسيين الذين تريد إستردادهم من السجون الإسرائيلية ليسوا أعضاء في أي من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية التي هي “الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”.
بنود خطة ترامب تتضمن الإفراج عن 250 سجيناً ومعتقلاً فلسطينياً، مقابل المحتجزين الإسرائيليين الـ47 الموجودين في غزة، ومن بينهم جثامين 25 إسرائيلياً.
ترامب مقتنع بأهمية إطلاق البرغوثي لأنه يعتبره مؤهلاً للقيام بدور إداري في أي قيادة جديدة لقوة متعددة الجنسيات ما يعوض على غزة الـ 66 ألف مواطن الذين فقدتهم في سنتين نتيجة حرب حماس وإسرائيل.
وفي أول انعكاس لخطة ترامب المتعلقة بغزة على الوضع اللبناني أعلن وزير العدل عادل نصار عن خطة لإنهاء الإفلات من العقاب بتعيين محققين عدليين في محاولة لحل ألغاز 11 إغتيالاً سياسياً، وهم:
-1- القاضية أميرة صبرا للنظر في قضية اغتيال الشيخ أحمد عساف رمياً بالرصاص في 26 نيسان العام 1982 على بعد أمتار من مقر عمله إماماً لمسجد عائشة بكار ببيروت الغربية. لم تتوصل التحقيقات إلى نتيجة.
-2-القاضي فادي عقيقي للنظر في قضية محاولة إغتيال المهندس مصطفى معروف سعد مساء 20 كانون الثاني العام 2013 بسيارة مفخخة فجرت تحت شرفة منزله في صيدا ما أدى إلى أصابته وفقدانه بصره واستشهاد إبنته ناتاشا وجاره محمد طالب وإصابة زوجته وإبنه معروف بجروح ونجاة إبنه الطفل نديم. وبقي التحقيق مفتوحاً على الرغم من إتهام مسؤولين أمنيين محليين بالضلوع في التفجير.
-3-القاضي يحيى غبوره للنظر في قضية الهجوم المسلح الذي شنته القوات اللبنانية على منزل آل فرنجية في بلدة إهدن في 13 حزيران العام 1978 والذي أسفر عن مقتل النائب والوزير وقائد تيار المردة طوني سليمان فرنجيه وزوجته فيرا قرداحي وطفلتهما جيهان وعدد من الحراس. وجرت مصالحة في تشرين الثاني العام 2018 في بكركي برعاية البطريرك الراعي بين رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، ما يطرح السؤال: لماذا يعاد التحقيق في قضية أقفلتها مصالحة بين طرفيها؟؟
-4- القاضي جوزف تامر للنظر في قضية محاولة اغتيال رئيس الجمهورية الاسبق كميل شمعون بسيارة مفخخة استهدفه انفجارها في 12 آذار 1980 في محلة الدورة ببيروت الشرقية فأصيب بجروح وقتل أحد مرافقيهه. اتهم شخص من حزب يساري بمحاولة قتله. تم توقيفه من أمام منزله في بيروت الغربية واحتجازة في المحكمة العسكرية واختفى أثره.
-5- القاضي آلاء الخطيب للتحقيق في قضية الحوادث والمواجهات التي حصلت في محلة بورضاي في بعلبك عندما وقعت إشتباكات في كانون الثاني من العام 1988 بين أنصار ثورة الجياع بقيادة الأمين العام السابق لحزب الله الشيخ صبحي الطفيلي، والجيش اللبناني، بعد مقتل ضابط برتبة نقيب في الجيش اللبناني خلال محاولة إخراج مناصري الطفيلي من حوزة دينية احتلوها. غادر الشيخ الطفيلي إلى بلدة بريتال حيث يصدر تصريحات صحافية ويجري مقابلات يطالب فيها دائماً بإخضاعه لمحاكمة علنية. فهل ستكون محاكمة الطفيلي علنية؟
-6-القاضي فادي صوان للنظر في قضية اغتيال الوزير السابق إيلي حبيقة في 24 كانون الثاني العام 2002 بسيارة مفخخة على طريق منزله في ضاحية الحازمية شرقي بيروت بعدما كان قد أعلن أنه سيتوجه إلى محكمة العدل الدولية ليدلي بإفادة “تغير رواية الحرب الأهلية اللبنانية” ما أوحى بأنه يغير تحالفه مع نظام الأسد الذي كان يدير لبنان بالتعاون مع ميليشيا حزب الله. الغريب أنّ حبيقة، وهو من أذكى المقاتلين والإستخباريين في المعسكر المسيحي، لم ينتبه إلى حقيقة أنّ أحد طريقي بيته في الحازمية قد أقفلت بحفريات تحت شعار “نعمل لأجلكم”، ما ألزمه لفترة بسلوك طريق واحد إلى منزله حيث انتظرته السيارة المفخخة وأردته. صدق المثل الشعبي “غلطة الشاطر بألف”…
-7-القاضي سامر يونس للنظر في قضية إغتيال النائب أنطوان غانم ورفاقه بسيارة مفخخة استهدفته بضاحية سن الفيل في بيروت الشرقية في 19 أيلول العام 2007 قبل أيام من موعد الإنتخابات الرئاسية. وقد اتُّهمت مخابرات الأسد بتصفيته بعد تردد إشاعات عن إمكانية ترشيحه لرئاسة الجمهورية. لم يتم تأكيد التهمة ولم يعرف مصير ملف التحقيق.
-8- القاضي كمال نصار للنظر في قضية إغتيال الشيخ الدرزي صالح العريضي بتفجير سيارته في بلدة بيصور بقضاء عاليه في 10 أيلول العام 2008 بعد توسطه في مصالحة بين رئيس الحركة الوطنية وليد جنبلاط والأمير طلال أرسلان رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني خلال حرب الجبل قبل أربعة أشهر ما أزعج حزب الله الذي هزم شر هزيمة في تلك الحرب التي خاضها الدروز كوحدة قتالية واحدة.
-9- القاضي سامي صادر للنظر في قضية إغتيال النائب والوزير الشيخ بيار امين الجميّل ومرافقه سمير الشرتوني بإطلاق النار عليه من نافذة سيارته في ضاحية الجديدة شمال-شرق بيروت في 21 تشرين الثاني العام 2006. وفرّ مطلقو النار في سيارة هوندا رباعية الدفع كحلية اللون بإتجاه الشرق. لم يعرف من قتله، لكن الملفت هو أنه الوحيد الذي اغتيل “رمياً بالرصاص” على نقيض شهداء “التفجير” الـ 15 الذين سبقوه، ما يوحي بأنه ضحية مدرسة مجرمين مختلفة عن تلك التي قتلت غيره.
-10- القاضي سامر ليشع للنظر في قضية إغتيال الصحافي سمير قصير في الثاني من حزيران العام 2005 بمتفجرة زرعت في سيارته بمنطقة الأشرفية ببيروت. كان سمير قصير، وهو من كتاب المقال السياسي في صحيفة النهار، من أشهر المحللين السياسيين اللبنانيين، وصاحب النظرية القائلة إنه لن يصطلح لبنان حتى يتغير نظام الأسد في سوريا. شارك في تأسيس اللقاء الديمقراطي مع نديم عبد الصمد والياس عطالله. المتفجرة التي قتلته شبيهة بتلك التي زرعت في سيارة الأمين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي وقتلته في وطى المصيطبة ببيروت الغربية في 21 حزيران العام 2005.
لاحقاً اتهمت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان العضو في حزب الله سليم جميل عياش بالضلوع بإغتيال حاوي، ومحاولة اغتيال وزير الدفاع السابق إلياس المر والتي راح ضحيتها المواطن خالد مورا، بالإضافة إلى محاولة اغتيال النائب مروان حمادة والتي راح ضحيتها مرافقه العسكري غازي أبو كروم.
-11-القاضي كلود غانم للنظر في قضية إغتيال النائب والصحافي جبران غسان تويني مع مرافقيه بتفجير سيارة مفخخة بسيارته في12 كانون الأول 2012 بضاحية المكلس شرقي بيروت بعد ساعات على عودته إلى لبنان من الخارج.
كان من أشد معارضي نظام الأسد واشتهر بيمينه الذي كانت تردده بعده جماهير 14 آذار المليونية في ساحة الشهداء “نقسم بالله العظيم، مسلمين ومسيحيين، أن نبقى موحدين، إلى أبد الآبدين، دفاعاً عن لبنان العظيم.”
غاب جبران وبقي قسمه، وللأسف تشتت اللبنانيون بدلاً من أن يتوحدوا، ومات شعار “لبنان أولاً” انهار الإحتلال الأسدي البائد وتحررت سوريا وما زال الإحتلال الإيراني يمسك بلبنان من جنوبي الليطاني إلى الروشة، براً وبحراً.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() ماذا ينتظر لبنان بعد سلام غزة؟ | ![]() من انتصر ومن انهزم على صخرة الروشة | ![]() من سينتصر: الحزب الأصفر أم ترويكا السلطة؟! |