حملة الإساءة من بيئة “الحزب”… تعدٍ على هيبة الدولة ومقام الرئاسة!


خاص 11 تشرين الأول, 2025

المطلوب اليوم من القوى السياسية كافّة، ومن الحزب خصوصًا، أن تدرك خطورة ما يحصل، وأن تتحمّل مسؤولياتها في ضبط مناصريها ومنعهم من المساس بالمقامات الرسمية.

كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:

في الآونة الأخيرة، شهدت وسائل التواصل الاجتماعي في لبنان موجةً من التهجّم غير المسبوق على رئيس الجمهورية، صدرت بمعظمها من حساباتٍ محسوبةٍ على بيئة سياسية معيّنة، وخصوصًا من المحسوبين على حزب الله. هذا السلوك، الذي تخطّى حدود النّقد السياسي المشروع إلى مستوى الشتائم والاهانات الشخصية، أثار استياءً واسعًا لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين الذين رأوا في ذلك تعدّيًا خطيرًا على مقام الرئاسة وعلى هيبة الدولة ككل.

في بلدٍ يقوم نظامه السياسي على التوازن الدقيق بين الطوائف والمؤسّسات، يُعتبر موقع رئاسة الجمهورية رمزًا لوحدة الدولة وسيادتها. ومن هنا، فإنّ أي استهداف مباشر لهذا الموقع لا يمكن اعتباره مجرّد “رأي شخصي” أو “نقد سياسي”، بل هو مساس بمقام وطني جامع يُفترض أن يكون بمنأى عن التجاذبات والانفعالات الآنية.

ويؤكّد مراقبون أنّ ما يجري مؤخّرًا لا يُعبّر فقط عن حالة غضب آنية، بل يكشف عن خللٍ أعمق في الثقافة السياسية وفي مفهوم احترام المؤسسات. فحين يُسمح لأنصار أي جهة سياسية بتجاوز كل الحدود الأخلاقية في التعبير، من دون أي رادع قانوني أو حزبي، تُصبح الدولة أمام خطر حقيقي يتمثّل في انهيار هيبتها وفقدان احترام سلطاتها.

وفي سياق هذه الموجة من الإساءة، يوضح المحامي شربل عرب، في حديث لموقع “هنا لبنان”، الإطار القانوني الذي يحكم هذه الأفعال.
ويلفت عرب إلى أنّ “ما شهدناه في الآونة الأخيرة من تطاولٍ وإساءاتٍ عبر وسائل التواصل الاجتماعي بحقّ رئيس الجمهورية اللبنانية يشكّل خرقًا واضحًا للقانون وتجاوزًا لحدود حرية الرأي والتعبير، مؤكدًا أنّ هيبة الدولة تبدأ من احترام موقع الرئاسة الأولى الذي يجسّد وحدة الوطن وكرامته”.

وأوضح عرب أنّ “القانون اللبناني واضح وصريح في هذا المجال، إذ تنصّ المادة 384 من قانون العقوبات على أن “مَن حقّر رئيس الدولة يُعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين”، فيما تُشير المادة 209 إلى أنّ “العبارات المُسيئة تعتبر منشورةً إذا ما عُرضت في مكان عام أو وُزعت على شخص أو أكثر”. وبالتالي، فإنّ كل إساءة يتم تداولها عبر وسائل الإعلام أو المنصات الإلكترونية تعدّ نشرًا علنيًا وتخضع للملاحقة القانونية.

وأضاف: “إنّ التعرّض لمقام رئاسة الجمهورية لا يعدّ مجرّد إساءة شخصية، بل هو اعتداء على أمن الدولة الداخلي والخارجي، لأنّ رئيس الجمهورية هو دستوريًا رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، ويمثّل لبنان في علاقاته مع الخارج، وأي تشويه لصورته يُسيء إلى سمعة البلاد أمام الدول التي تربطها بها مصالح حيوية ودبلوماسية”.

وأشار عرب إلى أنّه “في حال تعرّضت إحدى المطبوعات أو الوسائل الإعلامية لشخص رئيس الجمهورية بما يعتبر مَسًّا بكرامته أو نشرت ما يتضمن ذمًا أو قدحًا أو تحقيرًا بحقّه، تتحرّك النيابة العامة التمييزية بصورة تلقائية، من دون حاجة إلى شكوى من المتضرّر، ويحقّ للنائب العام حينها مُصادرة المطبوعات وإحالتها إلى القضاء المختص، فيما يتولّى القضاء الجزائي المحاسبة وفرض العقوبات المناسبة”.

وتابع عرب: “إنّ حرية الرأي والتعبير تبقى مصانةً بموجب الدستور، لكن ضمن حدود المسؤولية واحترام المقامات الرسمية. فالرئيس هو رأس الدولة ورمز وحدتها، وكرامته الشخصية وكرامة موقعه فوق أي اعتبار”.

واستعاد عرب، في هذا السياق، موقف البطريرك الراحل نصرالله صفير الذي، على الرغم من خلافه السياسي الكبير مع الرئيس الأسبق العماد إميل لحود، رفض في حينه أي هجوم شخصي عليه أو أي محاولة لإسقاطه في الشارع، معتبرًا أنّ “الرئيس هو رأس البلاد ومَن يمثّل اللبنانيين أمام العالم”.

وختم عرب: “أتمنّى على القضاء اللبناني أن يكون حازمًا في ملاحقة مثل هذه التعدّيات حفاظًا على هيبة الدولة ومؤسّساتها، غير أنّني أستبعد أن تؤدّي هذه الملاحقات إلى نتائج عملية لسببَيْن أساسيَيْن: أولًا، سعة صدر فخامة الرئيس الذي يتعامل بتسامح ومسؤولية مع الانتقادات، وثانيًا، الانقسام الطائفي العمودي في البلاد، إذ قد يُفسّر أي إجراء قضائي بحقّ أحد الأطراف على أنه استهداف لطائفة بعينها، ما قد يُثير فتنةً لا يرغب بها أحد”.

المطلوب اليوم من القوى السياسية كافّة، ومن حزب الله خصوصًا، أن تدرك خطورة ما يحصل، وأن تتحمّل مسؤولياتها في ضبط مناصريها ومنعهم من المساس بالمقامات الرسمية. كما أنّ الأجهزة القضائية مدعوّة إلى تطبيق القوانين المتعلقة بجرائم القدح والذم والتحقير بحقّ الرؤساء والمؤسسات، حفاظًا على هيبة الدولة وكرامة اللبنانيين جميعًا.

إنّ الدفاع عن حرية الرأي لا يعني ترك الحبل على الغارب. فبَيْن الحرية والفوضى خيط رفيع، وإذا انقطع هذا الخيط، سقط ما تبقّى من احترام للنظام والدولة. لبنان الذي يعاني من أزمات اقتصادية وسياسية متلاحقة لا يحتاج إلى المزيد من الانقسام والتحريض، بل إلى وقفة وعي ومسؤولية تُعيد الاعتبار إلى الدولة ومؤسّساتها.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us