من الفوضى إلى الأمل: خطة وطنية للنهوض بواقع الأشخاص ذوي الإعاقة في لبنان

إنّ صمت السلطة مقابل هذه الجريمة الصامتة ليس حيادًا، بل تواطؤًا. وعلى فخامة الرئيس أن يُعلن بخطوة وطنية علنية خطة طوارئ لحماية هذه الفئة، لأنّ الاستثمار فيها ليس إنفاقًا بل بناءً للكرامة والمستقبل.
كتب جو أندره رحال لـ”هنا لبنان”:
في لبنان الذي ينهار في أكثر من بُعد، تختبئ مأساة لا يراها الكثيرون: مأساة الأشخاص ذوي الإعاقة الذين واجهوا الإهمال المنظّم وسوء الإدارة، فبات مصيرهم مُعلّقًا بين وعودٍ بلا تنفيذ وسياساتٍ بلا متابعة. في مشهدٍ يلتقي فيه الفساد مع ضعف الدولة، نشاهد مراكز تأهيل وتعليم تدّعي الكفاءة، لكنّها في الواقع تعمل في الفراغ القانوني، بلا تراخيص واضحة، وبكوادر غير مؤهّلة، وتتجاهل الشفافية، فتُحوّل حاجة الأهالي إلى ساحةٍ للتجارب على حساب أطفال ينبضون بالأمل.
ما لا يعرفه الكثيرون أن التقديرات تشير إلى أنّ ما بين 10 و15% من سكان لبنان يُعانون من إعاقة بدنية أو حسّية أو عقلية أو ذهنية. ومع ذلك، يمثّل الأطفال ذوو الإعاقة أقلّ من 0.5% من أعداد الطلاب المسجّلين في المدارس اللبنانية، في حين يُقدّر أنّ نحو 45.000 طفل بين الخامسة والرابعة عشرة هم من ذوي الإعاقة ولا يتلقّون أي تعليمٍ ملائم. هذا التباين الشاسع بين الواقع والحقائق يفضح فشل النظام في حماية هذه الفئة من التهميش.
القانون 220/2000 يكفل الحقوق، لكنّ التطبيق بطيء ومتذبذب، والتراخيص تُمنح بناءً على صيغ شكلية لا تحقق كفاءتها. المراكز المخالفة كثيرة، تتظلّل تحت غطاء جمعيات خيرية أو تراخيص جزئية تتفادى بها المعايير المعتمدة. الكوادر غالبًا غير متخصّصة، يعتمد بعضها على دورات قصيرة أو شهادات مصغّرة، ويُمنح صلاحية الإدارات أو التخطيط العلاجي في خرقٍ صريحٍ لمبدأ أنّ كلّ تدخل يجب أن يكون بقيادة متخصّص معترف به علميًا ومهنيًا.
إضافةً إلى ذلك، تُستغلّ التبرّعات التي تصل هذه المراكز لدعم الأطفال: الكثير من الأموال تُوجَّه إلى المصاريف الإدارية أو تُختلس، والمعدّات التي تُشترى تُخزَّن أو تُباع لاحقًا، والأهالي في حيرةٍ من أمرهم. إنّ الشفافية هنا ليست ترفًا بل ضرورة، والثمن الذي يدفعه الطفل في جهلنا هو الأثقل.
ولذلك، ندعو إلى خطة إصلاحية شاملة:
– حملة تفتيش وطنية طارئة توقف الانفلات وتُغلق المراكز المهدّدة، وتُشترط تصحيحَ المخالفات خلال مهلة محدّدة.
– تعديل القانون 220 وربطه بمرسوم طوارئ يُلزم كلّ مركز بنشر تقرير سنوي والالتزام بمعايير واضحة.
– إنشاء هيئة وطنية مستقلة ترخّص، تُراقب، تنشر البيانات، وتُحاسب المتجاوزين.
– تعزيز الجامعات لفتح برامج مهنية في التأهيل، ومنح دراسية، وربط الدراسة بالممارسة الميدانية في المراكز المعتمدة.
– الشفافية في التبرّعات: كلّ مركز يتلقى دعمًا يُلزم بتقارير مالية مفتوحة، قوائم الاستخدام، ومراقبة من المانحين.
– توسيع التعليم الشامل، تجهيز المدارس، دعم المعلمين، تعديل المناهج، وتوفير معلم دعم أو مساعد تقني.
– حملات توعية لتغيير نظرة المجتمع إلى الأشخاص ذوي الإعاقة، وتعزيز مفهوم الدمج كحقّ لا امتياز.
– محاسبة صارمة: ربط التراخيص بمؤشرات الأداء، وإلغاء الترخيص عند التكرار أو التجاوز، وتحويل المخالفين إلى العدالة.
إن الأمر لم يعد ملفًّا جزئيًا، بل امتحانًا لضمائر الدولة والمجتمع. إنّ صمت السلطة مقابل هذه الجريمة الصامتة ليس حيادًا، بل تواطؤًا. وعلى فخامة الرئيس أن يُعلن بخطوة وطنية علنية خطة طوارئ لحماية هذه الفئة، لأنّ الاستثمار فيها ليس إنفاقًا بل بناءً للكرامة والمستقبل.
إنّ الأشخاص ذوي الإعاقة ليسوا عبئًا، بل هم لبنة في بناء لبنان العدالة والإنصاف. كلّ طفل يُنقذ من الإهمال هو وعد مُجدَّد بالمواطَنة الحقّة، وكلّ مركز يُصلَح هو دليل على أن الإصلاح ممكن إذا صدقت النوايا وتحرّكت الإرادات. فلتكن هذه الصرخة بداية الفعل، وفعلًا على الأرض قبل أن تتحوّل دموع الفشل إلى وصمة لا تُمحى.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() الهوية الرقمية: هوية لبنان الجديدة نحو دولة شفافة وعصرية | ![]() لبنان بين السيادة الرقمية والأمن الشامل: معادلة البقاء! | ![]() جوزاف عون والسعودية: شراكة جديدة تعيد الأمل للبنان |